Maʿālim al-tanzīl fī tafsīr al-Qurʾān = Tafsīr al-Baghawī
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Investigator
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition Number
الرابعة
Publication Year
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
ظَالِمًا لِأَنَّهُ يَضَعُ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَصَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَامَهُ ذَلِكَ وَيَرْجِعَ الْعَامَ الْقَابِلَ فَيَقْضِيَ عُمْرَتَهُ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَهُ ذَلِكَ وَرَجَعَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَقَضَى عُمْرَتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ﴾ يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ الَّذِي دَخَلْتُمْ فِيهِ مَكَّةَ وَقَضَيْتُمْ فِيهِ عُمْرَتَكُمْ سَنَةَ سَبْعٍ ﴿بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ الَّذِي صُدِدْتُمْ فِيهِ عَنِ الْبَيْتِ سَنَةَ سِتٍّ ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ جَمْعُ حُرْمَةٍ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا لِأَنَّهُ أَرَادَ حُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ، وَالْقِصَاصُ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَهُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِالْفَاعِلِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، وَقِيلَ هَذَا فِي أَمْرِ الْقِتَالِ مَعْنَاهُ: إِنْ بَدَءُوكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَاتِلُوهُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمَا فَعَلُوا فِيهِ ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ وَقَاتِلُوهُمْ ﴿بِمِثْلِ مَا اعْتُدِيَ عَلَيْكُمْ﴾ سُمِّيَ الْجَزَاءُ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ عَلَى ازْدِوَاجِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا" (٤٠-الشُّورَى) ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ ٢٨/ب
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَرَادَ بِهِ الْجِهَادَ وَكُلَّ خَيْرٍ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ إِطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجِهَادِ ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ قِيلَ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿بِأَيْدِيكُمْ﴾ زَائِدَةٌ، يُرِيدُ: وَلَا تُلْقُوا أَيْدِيَكُمْ، أَيْ أَنْفُسَكُمْ ﴿إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ عَبَّرَ عَنِ النَّفْسِ بِالْأَيْدِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى "بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" (٣٠-الشُّورَى) أَيْ بِمَا كَسَبْتُمْ، وَقِيلَ الْبَاءُ فِي مَوْضِعِهَا، وَفِيهِ حَذْفٌ، أَيْ لَا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أَيِ الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: التَّهْلُكَةُ كُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ عَاقِبَتُهُ إِلَى الْهَلَاكِ، أَيْ وَلَا تَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: التَّهْلُكَةُ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْهَلَاكُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلْإِنْسَانِ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَّا فِي الشِّرْكِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي الْبُخْلِ وَتَرَكِ الْإِنْفَاقِ. يَقُولُ ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَهْمٌ أَوْ مِشْقَصٌ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا، وَقَالَ: السُّدِّيُّ بِهَا: أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ عِقَالًا ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ وَلَا تَقُلْ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ قَالَ رَجُلٌ: أُمِرْنَا بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْفَقْنَا أَمْوَالَنَا بَقِينَا فُقَرَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِيهَا: لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ نَفَقَةٍ فِي حَقٍّ خِيفَةُ الْعَيْلَةِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
1 / 215