(فصل في بيان الألفاظ التي تجيء متنافية في الظاهر)
كثيرًا ما تجئ الألفاظ في الظاهر كالمتنافي عند من لم يتدرب بالبراهين العقلية والعلوم الحقيقة، وربما يغالط الملحد بألفاظ من القرآن في نحو ذلك العجزة فيشككهم مثل أن يقول: قد ثبت من بداية العقول أن النفي والإثبات في الخبر الواحد إذا اجتمعا لابد من صدق أحدهما وكذب الآخر، نحو أن يقال: زيدً خارجً، زيدً ليس بخارج، وقد رأينا في القرآن أخبارًا متنافية، فلابد من أن يكون أحدهما صدقًا، والآخر كذبًا، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾، مع قوله: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ وقوله إخبارًا عن الكفار أنهم يقولون: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ مع قوله تعالى ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾، وقوله تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾ مع قوله تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾، وقوله تعالى ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ مع قوله تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ﴾، وقوله تعالى: ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾، وقوله: ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ وقوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مع قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ مع قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾
1 / 23