قوله ﷿:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾: الآية (٤٥) - سورة البقرة.
أصل الصبر: الإمساك في ضيق، ومنه: دابة مصبورة، والصبرة من الطعام للجمعة منه، وفي التعارف: إمساك النفس على ما يقتضيه العقل وعما يقتضيه، وذلك ضربان: صبر عن المشتهى، وهو العفة، وصبر على المكروه وهو الشجاعة، وقيل الصبر: الصوم، لقوله ﵇: (صيام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهب كثيرًا من وحر الصدر)، وتسميته بالصبر، لكونه بعضه، إذ هو إمساك الشهوة، ولهذا قال ﵇:
" الصوم نصف الصبر "، والصلاة أرفع منزلة من الصبر، لأنها تجمع ضروبًا من الصبر، إذ هي حبس الحواس على العبادة، وحبس الخواطر والإفكار على الطاعة، ولهذا قال:
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾، وخصها برد الضمير إليها دون الصبر، وأما الصلاة التي تخفف على غير الخاشع، فإنها مسماة باسمها، وليس هي في حكمها، بدلالة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، ومثلها، وقل ما ترى صلاة غير الخاشع تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ومثلها في رد الضمير على أحد المذكورين لاختصاص العناية به، قوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾، فأعيد الضمير إلى التجارة - لما كانت سبب انفضاض الذين نزلت الآية فيهم، ولأنه قد تشغل التجارة عن العبادة من لا تشغله اللهو، وعلى ذلك قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لما كان حبس الفضة عن الناس أعظم ضررًا، إذ كانت