الإنسان أن يتفق له في صباه من يعوّده تعاطي الشريعة حتى إذا بلغ الحلم وعرف وجوبها فوجدها مطابقة لما تعوده قويت بصيرته ونفذت في تعاطيها عزيمته " والسادس اختلاف من يتخصص به ويخالطه، فيأخذ طريقته فيما يتمذهب به (عن المرءِ لا تسأل وابصر قرينه) والسابع اختلاف اجتهاده في تزكية نفسه بالعلم والعمل حين استقلاله بنفسه. والفاضل التام الفضيلة من اجتمعت له هذه الأسباب المسعدة. وهو أن يكون طيب الطينة معتدل الأمزجة جاريًا في أصلاب آباءٍ صالحين ذوي أمانة واستقامة، متكونًا من نطفة طيبة ومن دم طمث طيب على مقتضى الشرع، ومرتضعًا بدَرٍ طيب ومأخوذًا في صغره من قبل مربيه بالآداب الصالحة وبالصيانة عن مصاحبة الأشرار، ومتخصصًا بعد بلوغه بمذهب حق ومجهدًا نفسه في تعرف الحق مسارعًا إلى الخير. فمن وُفق في هذه الأشياء تنجع فيه الخيرات من جميع الجهات كما قال الله تعالى: (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) . ويكون جديرًا أن يعد ممن وصفه الله تعالى بقوله: (وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) . والرذل التام الرذيلة هو من يكون بعكس هذا في الأمور التي ذكرناها.
واعلم أن من طابت أحواله انتفع بكل ما سمعه وشاهده أن خيرًا وأن شرًا، ومن خبثت أحواله استضر بكل ما سمعه وشاهده. وعلى ذلك دلَّ الله تعالى بقوله: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا) . فالخبيث من الأرض وإن طاب بذره وعذب ماؤه لا ينبت إلاّ خبيثًا، والطيب من الأرض وإن
1 / 57