Tafkir Farida Islamiyya
التفكير فريضة إسلامية
Genres
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين * فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون [سورة الزخرف: 46، 47].
بل جاء في الأناجيل من سيرة المسيح - عليه السلام - أن الكهنة عجلوا بسعيهم لإهلاك السيد المسيح حين علموا بآياته، وأشفقوا أن تقود الناس إلى الإيمان برسالته، فدعاهم إلى الكيد له ما كان أحرى أن يدعوهم إلى الاستماع له، أو الصبر عليه.
وعقيدة المسلم في الغيب وجملة الغيبيات أنها شيء يعلمه الله ولا يعلمه الإنسان، ولكنها لا تناقض العقل ولا تلغيه؛ فليست هي ضد العقل لو عرفها وانكشف له الغطاء عنها، ولكنها فوق عقل الإنسان؛ لأنه محدود وعالم الغيب مطلق غير محدود.
ومن قال: إنه يرفض الإيمان بغير المحدود فكأنما يقول: إنه يرفض الإيمان بما يستحق الإيمان؛ إذ لا إيمان على الهدى بمعبود ناقص دونه مرتبة الكمال الذي لا تحصره الحدود.
إلا أن الفارق عظيم بين ما هو ضد العقل وما هو فوقه وفوق ما يدرك بالعقول المحدودة؛ فما هو ضد العقل يلغيه ويعطله ويمنعه أن يفكر فيه وفي سواه، وما هو فوق العقل يطلق له المدى إلى غاية ذرعه، ثم يقف حيث ينبغي له الوقوف، وينبغي له الوقوف وهو يفكر ويتدبر؛ إذ كان من العقل أن يفهم ما يدركه وما ليس يدركه إلا بالإيمان.
وحيثما بلغ الإنسان هذا المبلغ فقد انتهى إليه بالعقل والإيمان على وفاق.
الفصل الثامن
أمام الأديان
من العسير على الكثيرين من المتدينين المؤمنين بالأنبياء أن يذكروا أسبابا عقلية لتفضيلهم الدين الذي يعتقدونه على سائر الأديان التي لا يعتقدونها، وغاية ما عندهم من التعليل لهذا التفضيل أن يؤمنوا بهذه العقيدة؛ لأنها عقيدة نبيهم، ولا يؤمنون بالعقائد الأخرى لأنها عقائد أنبياء آخرين لا يؤمنون بهم، ولا يقولون لماذا ينكرونهم بعد إيمانهم بأمثالهم، ولا يستطيعون أن يردوا هذا الإنكار إلى سبب معقول !
وهذا العجز العقلي عن تعليل اختيارهم لبعض الأنبياء دون بعض يكاد أن يكون ضرورة لا محيص عنها يضطر إليها من يؤمن برسالة دون سائر الرسالات، فإن رسالات الأنبياء جميعا لن تخلو من فضائلها ومسوغات الإيمان بها، ولن تنحصر الفضائل ومسوغات الإيمان في رسالة واحدة، مع تقادم الزمن، وتفاوت الأمم والإيمان بوجود الله وهدايته للناس منذ تهيأت عقولهم وضمائرهم لقبول الشرائع والمعتقدات.
Unknown page