Tafkir Farida Islamiyya
التفكير فريضة إسلامية
Genres
ويكاد الذين كتبوا في تاريخ العقائد يتفقون على تهوين خطر الحكم المستبد على الضمير الإنساني بالقياس إلى خطر العرف، أو خطر الخديعة من رؤساء الأديان؛ لأن الحكم المستبد يتسلط على الضمير من خارجه، ولا يستهويه من باطنه كما يستهويه حب السلف، أو الاسترسال مع القدوة الخادعة من قبل رؤساء الدين؛ فهو مشكلة مكان لا مشكلة عقل أو ضمير، إما أن ينفضه الإنسان عن مكانه، أو يلوذ منه بمكان أمين.
وكثيرا ما يكون الحكم المستبد حافزا للضمير إلى المقاومة، محرضا للعقل على الرفض والإنكار، وأكبر ما يخشى منه أن يؤدي إلى تشبث العناد؛ لأن هذا التشبث خطر على التفكير كخطر الاستهواء والتسليم، ولا يزال الاستبداد على كل حال قهرا للعقل بغير إرادته، يترك له الإرادة طليقة للمقاومة أو الحيلة أو الخضوع، فهو غير الانقياد للضلال إيثارا له، ومحبة للمضللين ...
فمن هنا كان حق العقل في مقاومته - بحكم الإسلام - كحقه في مقاومة سلطان العرف وسلطان الأحبار، ويزيد عليه أنه يلوم المسلم على الخضوع في مكانه إذا كان في وسعه أن يرحل منه إلى مكان بعيد من سلطانه ...
قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها [سورة النساء: 97].
ونحن مع العقل في الإسلام حين نذكر أن الإسلام يأمره باستقلال النظر في مواجهة السلف، ومواجهة الأحبار، ومواجهة الاستبداد، ثم يكون هو الدين الذي امتاز بين الأديان بوصاياه الكثيرة في توقير الآباء، والرجوع إلى أهل الذكر، وتمحيض الطاعة لولاة الأمور ...
فإذا أمر العقلاء فهكذا يؤمرون، وغير ذلك من الأوامر إنما يكون للآلات التي تعمل على وتيرة واحدة في أيدي من يحركونها ويديرونها، أو يكون للخلائق البكماء التي تقاد أو تساق، ولا رأي لها في مقادة أو مساق ...
إنما يكون أمر العقلاء أن يؤمروا بالتمييز بين مختلف الأحوال، فلا يقال لهم: إنكم ترفضون كل الرفض، أو تقبلون كل القبول، ولا فرق عندهم بين مرفوض ومرفوض، ولا بين مقبول ومقبول ...
عليكم أن تبروا بالآباء، ولكن البر معهم غير الضلال معهم على غير بصيرة، والعقلاء هم الذين يعرفون موضع هذا وموضع ذاك ...
وعليكم أن تسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ولكن أهل الذكر الذين لا ينتفعون بذكرهم لا ترجى منهم التذكرة لغيرهم، ومن لم يكن من أهل الذكر فليس بعسير عليه أن يكون من المميزين بين الصادقين منهم والمنافقين، وبين سيرة الرشد والاستقامة وسيرة الغواية والاعوجاج ...
وعليكم أن تطيعوا ولاة الأمر منكم، ولكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا خير في فتنة يضرمها العصيان على غير بصيرة، ومن لم تكن له قدرة على الطاعة، ولم يكن في عصيانه أمان من الفتنة الطامة، فله في الهجرة متسع يأوي إليه ما استطاع ...
Unknown page