Tafkir Cilmi
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Genres
74
فلو نظرنا في الفترة من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، نجد أنه قد حدثت ثورة كمية وكيفية هائلة في المجال العلمي، بمعنى أن نطاق العلم قد اتسع إلى حد هائل، كما أن إنجازاته قد اكتسبت صفات جديدة، وأصبحت أهميتها تفوق بكثير كل ما كان العلم يحققه في أي عصر سابق، بل إن هذا التعبير جعل العلم هو الحقيقة الأساسية في عالم اليوم، وهو المحور الذي تدور حوله كل المظاهر الأخرى لحياة البشر.
يقول أستاذنا الدكتور فؤاد زكريا: «... لو نظرنا إلى الأمر من الزاوية الكمية الخالصة ليتبين لنا أن نمو معدل نمو العلم، قد تسارع بصورة مذهلة خلال القرن العشرين؛ إذ تقول الإحصاءات إن كمية المعرفة البشرية تتضاعف في وقتنا الحالي خلال الفترة بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة، وهو ما كان يستغرق في العصور الماضية مئات السنين.»
75
ونحن نعترف بهذا، ولكن كل هذا لا يمنع من القول بحداثة العلم، وأنه وليد القرن السابع الميلاد على يد فرنسيس بيكون، فهذا قول يتنافى مع الحقيقة الموضوعية؛ فليس من اليسير أن نحدد نقطة الصفر التي انطلق منها العلم؛ لأن العلم شأنه شأن صور الفاعليات الإنسانية كائن متطور نام، لم يولد كاملا راشدا، بل لا بد أن يكون قد مر بمراحل طويلة من الصقل والتهذيب لكي يبلغ مرتبته الراهنة من النضج.
إن القائلين بحداثة العلم لا بد أن يضعوا في اعتبارها بأنه من الصعب أن نفسر سرعة التقدم الذي طرأ على العلم الأوروبي في القرن السابع عشر، والذي نقل أوروبا من التفكير في عالم أرسطو الذي لا يتحرك إلا أنه يعشق «المحرك الأول» إلى عالم نيوتن الذي يسوده قانون طبيعي هو قانون الجاذبية الكونية. من الصعب أن نفسر ذلك إلا إذا قلنا بأن عوامل أخرى قد مهدت له بالرغم من أن تأثيرها لم يكن في البداية ظاهرا.
على أن هذه العوامل المتراكمة لم تكن مجرد تطور داخلي للمعرفة العلمية في أوروبا خلال العصر الوسيط؛ فهذه المعرفة مهما تطورت لم تكن تبشر بنتائج ذات قيمة كبيرة، وإن كان هؤلاء العلماء في حاجة إلى دفعة قوية تأتيهم من مصدر خارجي لكي تنير الطريق، وتكشف لهم عن أفضل السبل المتاحة للبحث العلمي في ذلك الحين. وقد تحقق ذلك بفضل تأثر العلم الأوروبي بالعلم العربي الذي كان يحتل المرتبة العليا في ذلك العصر.
76
ونحن هنا نخالف القائلين بأن العلم الحديث قد خضع في نشأته وتطوره لمجموعة من العوامل الداخلية فقط، هذه العوامل تنمو بقدراتنا الذاتية بقوة دفعها الخاصة، وتخضع لمنطقها البحت، بل لا بد من عوامل خارجية خصوصا وأن العلم ليس ظاهرة منعزلة، بل إن أشد علمائنا المعاصرين ميلا للتفسير الفردي لتطور العلم لا يستطيعون أن ينكروا وجود تأثير متبادل بين العلم وأوضاع المجتمع الذي يظهر فيه، يقول أستاذنا الدكتور حسن عبد الحميد: «يخضع العلم في نشأته وتطوره لمجموعة من العوامل الخارجية والداخلية التي يؤدي تفاعلها معا إلى نشأة العلم نفسه.»
77 (ب) أما الفريق الثاني
Unknown page