الجزء فيه أخبار وأشعار
كتبها الشيخ الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدي تذكرة ومودة لأبي محمد الحسن بن محمد بن محمد بن حبيب عن شيوخه، عفا الله عنهم
رواية أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن البطي عنه
رواية الإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة عنه
رواية أبي الفهم تمام بن أحمد بن أبي الفهم السلمي عنه
رواية الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي عنه
رواية ابنه المسند أبي هريرة عبد الرحمن بن الذهبي عنه
رواية جماعة منهم الشيخ شمس الدين محمد بن الشهاب أحمد بن العماد عنه
رواية أبي المحاسن يوسف بن شاهين سبط ابن حجر العسقلاني عنه
1 / 374
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن ويسر يا كريم
أخبرنا الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن العلامة شهاب أحمد بن عماد الأقفهسي بقراءتي عليه يوم الخميس ٢٩ جماد الأول سنة ٨٦٥: أنبأنا المسند أبو هريرة عبد الرحمن ابن الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: أخبرنا والدي الحافظ شمس الدين الذهبي قراءة من لفظه في ذي القعدة سنة ٧٢٥ بكفر بطنا: أخبرنا الشيخان أبو الفهم تمام بن أحمد بن أبي الفهم السلمي وسنقر بن عبد الله الزيني قال أبو الفهم: أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، وقال سنقر: أخبرنا الموفق عبد اللطيف بن محمد البغدادي.
(ح) وأخبرتنا الشيختان أم الكرام أنس بنت عبد الكريم اللخمية، وأم الفضل هاجر بنت القدسي سماعا عليهما قالا: أخبرنا برهان الدين إبراهيم بن محمد بن صديق إجازة: أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحجار: أخبرنا أبو محمد عبد اللطيف بن محمد بن علي بن القبيطي إجازة قالوا: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي ببغداد: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدي الحافظ سنة ٤٨٥:
١ - أخبرنا أبو الحسن علي بن بقاء بن محمد الوراق قراءة من لفظه وأنا أسمع منه بجامع الفسطاط وما سمعناه إلا منه: أخبرنا أبو الفتح أحمد بن عمر الجهازي: حدثنا أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان: حدثنا أحمد بن الحسين: حدثنا أبو حفص الفلاس: حدثنا أبو داود قال: كنا عند شعبة نكتب ما يملي، فسأل سائل فقال شعبة: تصدقوا، فلم يتصدق أحد، فقال شعبة: تصدقوا، فإن أبا إسحاق حدثني عن عبد الله بن معقل، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله ﷺ: اتقوا النار ولو بشق تمرة. فلم يتصدق أحد.
فقال: تصدقوا، فإن عمرو بن مرة حدثني عن خيمثة، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله ﷺ: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة. فلم يتصدق أحد.
فقال: تصدقوا، فإن محلا الضبي حدثني عن عدي بن
1 / 376
حاتم قال: قال رسول الله ﷺ: استتروا من النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة. فلم يتصدق أحد.
فقال: تصدقوا، فإن محلا الضبي حدثني عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله ﷺ: / استتروا من النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة. فلم يتصدق أحد، فقال: قوموا عني، فوالله لا حدثتكم ثلاثة أشهر، ثم دخل منزله، فأخرج عجينا له، فأعطاه السائل، فقال: خذ هذا، فإنه طعامنا اليوم.
٢ - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القزويني المقرئ بقراءة أبي زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري الحافظ عليه بمصر: أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن يوسف الدُخَيل بمكة وهو آخر من حدث عن ابن الدخيل: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح وجعفر بن محمد قالا: حدثنا عبد الملك بن مسلمة: حدثنا إبراهيم بن أبي بكر بن المنكدر قال: سمعت عمي محمد بن المنكدر يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال جبريل ﵇: قال الله ﵎: هذا دين ارتضيته لنفسي، ولن يصلحه إلا السماحة وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه (١) . تفرد به إبراهيم عن عمه.
_________
(١) جاء في الهامش: هذا الحديث من كتاب الضعفاء للعقيلي، رواية العتيقي، عن ابن الدخيل. قلت: وهو في المطبوع (١/ ٤٧) .
1 / 377
٣ - أخبرناه أبو علي بن الخلال: أخبرنا جعفر: أخبرنا السلفي: أخبرنا ابن مردويه وحمد بن سهلويه وأحمد بن الفضل وأبو علي الحداد قالوا: أخبرنا أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن جعفر: حدثنا إسماعيل بن عبد الله سمويه: حدثنا عبد الملك بن مسلمة نحوه، وفيه: السخاء بدل: السماحة.
٤ - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القارئ: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن العباس الإخميمي قراءة عليه بانتقاء عبد الغني بن سعيد الحافظ: حدثنا إسماعيل بن داود بن وردان: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي: حدثنا عبد الله بن وهب: أخبرنا ابن جريج، عن عبد الله بن كثير بن المطلب، أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة تقول: ألا أحدثكم عن النبي ﷺ وعني؟ قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي انقلب فوضع نعليه عند رجليه، ووضع رداءه وبسط طرف إزاره على فراشه، ولم يلبث (١) إلا ريث ما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويدا وأخذ رداءه رويدا، ثم فتح الباب رويدا، فخرج وأجافه رويدا، وجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري وانطلقت في أثره، حتى أتى البقيع، فرفع يديه ثلاث مرات، فأطال القيام، ثم انحرف وانحرفت، ثم أسرع وأسرعت، فهرول وهرولت، وأحضر وأحضرت، وسبقته ودخل ودخلت، فليس / إلا أن اضطجعت (٢) فدخل فقال: ما لك يا عائش حشيا؟ قلت: لا شيء قال: لتخبرني، أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت: بأبي أنت وأمي، فأخبرته الخبر قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم قالت: فلهزني لهزة في صدري أوجعتني، وقال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله قالت: فمهما يكتم الناس فقد علمه الله تعالى، قال: نعم، فإن جبريل أتاني حيث رأيت، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فناداني وأخفى منك فأخفيته منك، وظننت أن قد رقدت وكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، وأمرني أن آتي أهل البقيع، فأستغفر لهم قالت: فكيف أقول يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
قال عبد الغني: هذا حديث غريب من حديث ابن جريج لم يجود أحد إسناده
_________
(١) في الهامش: يمكث.
(٢) كتب في الهامش: أصل انضجعت.
1 / 378
كتجويد ابن وهب، ورواه حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عبد الله رجل من قريش، ولم ينسبه، ورواه يوسف بن سعيد بن مسلم من بين أصحاب ابن جريج، فقال: عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، هذا آخر كلام عبد الغني، وهذا حديث أخرجه (مـ) عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب موافقة، فكأن شيخنا مثل أبي الهيثم، وكأنا سمعناه من كريمة، وهو عزيز (١) من طوالات المصريين.
٥ - أخبرنا أبو القاسم منصور بن النعمان بن منصور الصيمري في منزله بمصر بقراءتي عليه: حدثنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد لفظا: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الحميد الغضائري، وهو آخر من حدث عن الغضائري: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي: حدثنا الحمادان حماد بن زيد وحماد بن سلمة قالا: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: تسحروا، فإن في السحور بركة.
٦ - حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني ويده على كتفي: حدثنا أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ ويده على كتفي: حدثنا أبو الحسن أحمد بن عيسى العرضي ويده على كتفي: حدثنا أبو الحسن أحمد بن الحسن بن محمد المكي ويده على كتفي: حدثنا أبو عمرو هلال بن العلاء ويده على كتفي: حدثني أبي ويده على كتفي: حدثنا عبيد الله بن عمرو ويده على كتفي: حدثنا زيد بن أبي أنيسة ويده على كتفي: حدثنا أبو إسحاق السبيعي ويده على كتفي: حدثنا عبد الله بن الحارث ويده على كتفي: حدثنا الحارث الأعور ويده على كتفي: حدثني علي بن أبي طالب ويده على كتفي: حدثني رسول الله ﷺ ويده على كتفي: حدثني الصادق الناطق رسول رب العالمين وأمينه على وحيه جبريل ويده على كتفي: سمعت إسرافيل يقول: سمعت القلم يقول: سمعت اللوح يقول: سمعت الله من فوق العرش يقول للشيء: كن، فلا يبلغ الكاف والنون أو يكون الذي يكون.
٧ - أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الصعيدي: حدثنا أحمد بن محمد
_________
(١) في الهامش: غريب.
1 / 379
السائح: سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد بن العوام يذكر أن يحيى بن معاذ دخل على العلوي العمري ببلخ، فقال له العمري: ما تقول فينا أهل البيت؟ فقال: وما أقول في غرس غرس بماء الوحي، وطين عجن بماء الرسالة، فهل يفوح منهما إلا المسك الأذفر، مسك الهدى، وعبير التقى، قال: أحسنت وأمر أن يحشى فمه دُرا، قال: ثم زاره من غده، فلما دخل العمري على يحيى بن معاذ قال له يحيى: إن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائرا ومزورا.
٨ - سمعت الشيخ أبا الحسين علي بن بقاء بن محمد الوراق يقول: سمعت أبا محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ يقول: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضال، وإنما ضل في طريق مكة، وعبد الله بن محمد الضعيف، إنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه.
٩ - حدثنا الرئيس أبو العباس أحمد بن رشيق الكاتب وكان من أفضل رئيس رأيناه بالمغرب: حدثني أبو عبد الله محمد بن شجاع الصوفي قال: كنت بمصر أيام سياحتي، فتاقت نفسي إلى النساء، فذكرت ذلك لبعض إخواني، / فقال لي: إن هاهنا امرأة صوفية لها ابنة مثلها جميلة قد ناهزت البلوغ قال: فخطبتها وتزوجتها، فلما دخلت عليها وجدتها مستقبلة القبلة تصلي، فاستحييت أن تكون صبية في مثل سنها تصلي وأنا لا أصلي، فاستقبلت القبلة وصليت ما قدر لي، حتى غلبتني عيني، فنمت في مصلاي، ونامت في مصلاها، فلما كان في اليوم الثاني كان مثل ذلك أيضا، فلما طال علي قلت لها: يا هذه، ما لاجتماعنا معنى، فقالت لي: أنا في خدمة مولاي، ومن له حق فما أمنعه قال: فاستحييت من كلامها، وتماديت على أمري نحو الشهر، ثم بدا لي في السفر، فقلت لها: يا هذه، فقالت: لبيك، قلت: إني قد أردت السفر قالت: مصاحبا بالعافية قال: فقمت، فلما صرت عند الباب قامت فقالت لي: يا سيدي، كان بيننا في الدنيا عهد لم يقض بتمامه عسى في الجنة إن شاء الله، فقلت لها: عسى، فقالت: أستودعك الله خير مُسْتَوْدَع قال: فتودعت منها وخرجت، ثم عدت إلى مصر بعد سنين، فسألت عنها، فقيل لي: هي على أفضل ما تركتها عليه من العبادة والاجتهاد.
١٠ - أخبرنا أبوالقاسم الشيباني: حدثنا أبو طالب أحمد
1 / 380
بن نصر الحافظ (١): حدثنا إسحاق الفروي، سمعت مالك بن أنس يقول: أدركت بهذه البلدة - يعني المدينة - أقواما لم يكن لهم عيوب، فعابوا الناس فصارت لهم عيوب، وأدركت بهذه البلدة أقواما كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فنُسِيَتْ عيوبهم.
١١ - أخبرني أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ بالأندلس: أخبرني أبو الفتح ثابت بن محمد الجرجاني قدم علينا عن بعض شيوخه في المذاكرة، أن ابن الأعربي رأى رجلين في مجلسه يتحدثان، فقال لأحدهما: من أين أنت؟ فقال: من أسبيجاب، وهي مدينة بأقصى خراسان، وقال للآخر: من أين أنت؟ فقال: من الأندلس، فعجب ابن الأعرابي وأنشد:
رفيقان شتى ألف الدهر بيننا وقد يلتقي الشتى فيأتلفان
(أنشدني الرجل الصالح أبو مروان عبد الملك بن مسلم الخولاني ﵀ (٢) / ثم أنشد أبوالفتح أمام الأبيات، وهي:
نزلنا على قدسية يمنية ... لها نسب في الصالحين هجان
فقالت وأرخت جانب الستر بيننا ... لأيَّت أرض أم من الرجلان
فقلت لها أما رفيقي فقومه ... تميم وأما أسرتي فيمان
رفيقان شتى ألف الدهر بيننا ... وقد يلقتي الشتى فيأتلفان
١٢ - أنشدني الرجل الصالح أبو مروان عبد الملك بن مسلم (٣) الخولاني ﵀ بالأندلس قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن السري: أنشدنا الأنطاكي المقرئ للمناسكي:
أصبحت قد شف قلبي خوف عليه مقيم
خوف تمكن مني ... والقلب مني سقيم
لولا رجائي لوعد ... وعدته يا كريم
في سورة الحجر نصا ... لقابلتني الغموم
على لسان نبيي ... قلبي لديه عليم
نبئ عبادي أني ... أنا الغفور الرحيم
فقد وثقت بهذا ... والقلب مني يهيم
من آية أذهلتني ... فيها وعيد جسيم
هي التي قلت فيها ... والقول منك حكيم
ألا وإن عذابي هو العذاب الأليم
_________
(١) أشار هنا إلى الهامش وكتب فيه: قال إسحاق الطباع. قلت: وإسحاق الطباع وإسحاق الفروي كلاهما يروي عن مالك. والله أعلم.
(٢) هكذا في الأصل، وهو آخر سطر في الورقة، والظاهر أنه مقحم، فلعل الناسخ انتقل نظره إلى الإسناد التالي، والله أعلم.
(٣) في الهامش: سليمان.
1 / 381
فالقلب بين رجاء ... وبين خوف يعوم
١٣ - أنشدني أبو محمد عبد الله بن عثمان القرشي ﵀ بالمغرب وأملاه علي: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعيش: حدثنا ابن الطحان، عن أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الخشني الإمام المحدث بالأندلس وكانت له رحلة إلى المشرق لقي فيها أحمد بن حنبل ونظراءه (١) وأقام خمسا وعشرين سنة / متجولا في طلب الحديث، فلما رجع إلى الأندلس تذكر محاله في الغربة، فقال:
كأن لم يكن بينٌ ولم تك فرقة ... إذا كان بعد الفراق تلاق
كأن لم تورق بالعراقين مقلتي ... ولم تَمْرِ كف الشوق ماء اماق
ولم أزر الأعراب في خبت أرضهم ... بذات اللوى من رامة وبراق
ولم أصطبح بالنيل من قهوة النوى بكأس سقانيها الفراق دهاق
بلى وكأن الموت قد زار مضجعي ... فحول مني النفس بين تراقي
أخي إنما الدنيا محلة فرقة ... ودار غرور آذنت بفراق
تزود أخي من قبل أن تسكن الثرى وتلتف ساق للنشور بساق
١٤ - أنشدني أبو محمد عبد الله بن عثمان العمري لنفسه:
عرفت مكانتي فسببت عرضي ولو أني عرفتكم سببت
ولكني لم أجد لكم سموا ... إلى أكرومة فلذا سكت
١٥ - أنشدني أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الوزير الحافظ لنفسه:
أقمنا ساعة ثم ارتحلنا ... وما تغني المشوق وقوف ساعة
كأن الشمل لم يك ذا اجتماع إذا ما شتت البين اجتماعه
١٦ - وأنشدني أيضا لنفسه بالمغرب ﵀:
لئن أصبحت مرتحلا بشخصي ... فروحي عندكم أبدا مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم (٢)
١٧ - أنشدني والدي ﵀ فميا لقننيه أيام الصبى:
من قابل النعمة من ربه ... بواجب الشكر له دامتِ
وكافر النعمة مسلوبها وقل ما ترجع إن زالت.
_________
(١) رسمت في الأصل هكذا: (ونطاوه) والمثبت من طبعة الشيخ أبي عبد الرحمن الظاهري، وجذوة المقتبس.
(٢) كتب في الهامش: قال الحافظ الذهبي: سمعت هذين البيتين على ابن الخلال: أخبرنا جعفر الهمداني: أخبرنا العثماني في فوائده: أخبرنا يوسف بن علي القضاعي: أخبرنا أبو بكر بن طرخان: أخبرنا ابن أبي نصر الحميدي، عن ابن حزم.
1 / 382
١٨ - أخبرنا الشيخ أبو البركات الحسين بن إبراهيم بن الفرات ﵀: أخبرنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد: سمعت حسن بن علي خركات الصوفي العلوي يقول: سألت بعض الصوفية عن استماع الغنى؟ / فقال: هو مثل ماء زمزم لما شرب له.
١٩ - أنشدني أبو الحسن محمد بن علي بن إبراهيم بن الدقاق بمر متمثلا:
كم من كتاب تعبت في طلبه ... وكنت من أبخل الخلائق به
حتى إذا مت وانقضى سبببي عاد لغيري فصار من كتبه
٢٠ - أنشدنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد ﵀ بالأندلس لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه وقد (١) أزمع بعض من كان يألفه على الرحيل في غد، فأتت السماء بمطر عظيم حال بينه وبين الرحيل، فكتب إليه ابن عبد ربه:
هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر هيهات يأبى عليك الله والقدر
ما زلت أبكي حذار البين ملتهفا ... حتى رثى لي فيك الريح والمطر
يا برده من حيا مزن على كبد ... نيرانها بغليل الشوق تستعر
آليت أن لا أرى شمسا ولا قمرا ... حتى أراك فأنت الشمس والقمر
وتوفي أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه سنة ٣٢٨ لاثنتي عشرة ليلة بقيت [من] (٢) جمادى الأولى، ومولده سنة ٢٤٦ لعشر خلون من رمضان، فاستوفى إحدى وثمانين سنة وثمانية أشهر وثمانية أيام، هكذا رأيت بخط الحكم المستنصر ابن عبد الرحمن الأمير بالأندلس من بني أمية، وكان من أهل العلم، رحمة الله عليه.
٢١ - وأنشدني أيضا أبو محمد علي بن أحمد الحافظ ﵀ لأبي جعفر أحمد بن محمد بن الأبار الخولاني إلى الرئيس أبي الوليد إسماعيل بن حبيب من قصيدة يعزيه عن جارية توفيت عنده وولد له ولد:
أو ما رأيت الدهر أقبل معتبا متنصلا بالعذر لما أذنبا
بالأمس أذوى في رياضك أيكة ... واليوم أطلع في سمائك كوكبا
٢٢ - لأبي (٣) عمر يوسف بن هارون الكندي المعروف بالرمادي في سراج قارب أن ينطفئ ثم خبي:
_________
(١) في الأصل: قد.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) هكذا في الأصل، وهو سقط ظاهر.
1 / 383
أرى سكرات السراج كأنه عليل على ظهر الفراش يجود
/أراقبه حتى إذا قلت قد قضى ... تثوب إليه نفسه فيعود
٢٣ - أخبرني أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد ﵀ عن بعض شيوخه، أن أبا عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه وقف في صباه يوما تحت روشن بعض الرؤساء وقد سمع جارية محسنة تغني، فرش بماء ولم يعرف من أين هو، فمال إلى مسجد قريب من ذلك المكان واستدعى بعض ألواح الصبيان وكتب:
يا من يضن بصوت الطائر الغرد ما كنت أحسب هذا البخل في أحد
لو أن أسماع أهل الأرض قاطبة ... أصغوا إلى الصوت لم ينقص ولم يزد
فلا تضن على سمعي تقلده ... صوتا يجول مجال الروح في جسدي
لو كان زرياب حيا ثم أسمعه لذاب من حسد أو مات من كمدي
أما النبيذ فإني لست أشربه ولست آتيك إلا كسرتي بيدي
٢٤ - وأخبرنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد أنه قصد يوما صديقا له في يوم شديد المطر، فاستعظم ذلك منه في تلك الحال، فقال أبو محمد:
ولو كانت الدنيا دوينك لجة ... وفي الأرض صعق دائم وحريق
لسهل ودي فيك نحوك مسلكي ... ولم يتعذر لي إليك طريق
٢٥ - وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد: أنشدني أبو عمر أحمد بن حبرون في مجلس الوزير أبي ﵀ وقال لي: كتب أبو عبد الله محمد بن مسرة إلى أبي بكر اللؤلؤي يستدعيه في يوم طين ومطر:
أقبل فإن اليوم يوم دجن ... إلى مكان كالضمير المكنى
لعلنا نحكم أدنى فن ... فأنت عند الطين أمشي منى
٢٦ - وأنشدنا أبو محمد علي بن أحمد للمهند طاهر بن محمد البغدادي إلى المنصور بن أبي عامر محمد بن أبي عامر صاحب الأندلس - قال لي أبو محمد: ورأيت في بعض الكتب أنه سأل الوزير أبي ﵀ إيصالهما إليه - يسأله / الإذن عليه:
أتيت أكحل طرفي من نور وجهك لحظة
ولا أزيدك بعد التسليم والشكر لفظة
٢٧ - وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد لعبد الملك بن جهور:
1 / 384
إن كانت الأبدان نائية ... فنفوس أهل الظرف تأتلف
يا رب مفترقين قد جمعت ... قلبيهما الأقلام والصحف
٢٨ - وأنشدنا أبو محمد علي بن أحمد لنفسه:
لا تشتمن حاسدي إن نكبة عرضت ... فالدهر ليس على حال بمترك
ذو الفضل كالتبر طورا تحت ميقعة ... وتارة في ذرى تاج على ملك
٢٩ - وأنشدني أيضا لنفسه:
سلام على أهل التلاقي مردد ... ولا لقى التفريق أهلا ولا سهلا
ويا بين بن عنا ذميما مبعدا ... ويا دهر قرب كالذي يعهد الوصلا
أقول وقد هم الفؤاد برحلة ... ولكن رجاء القرب قال له مهلا
لعل الذي يدني ويبعد والذي ... قضى بفراق الشمل أن يجمع الشملا
٣٠ - وأنشدني أيضا للوزير أبي الحسن جعفر بن عثمان المصحفي ﵀:
يا ذا الذي أودعني سره ... لا ترج أن تسمعه مني
لم أُجرِه بعدك في خاطري ... كأنه ما مر في أذني
٣١ - ودعنا (١) أبو القاسم منصور بن النعمان الصيمري فقلت له: أوصني؟ فقال: ودعنا القاضي أبو الحسن أحمد بن سعيد السعدي فقلت: له: أوصني؟ فقال: ودعنا أحمد بن محمد النعماني فقلت له أوصني؟ فقال: ودعنا عبيد الله بن أحمد البلخي فقلنا له: أوصنا؟ فقال: ودعنا عمار بن علي (الزري؟)، فقلت له: أوصنا؟ فقال: ودعنا أحمد بن العباس النحوي بالأهواز فقلت له: أوصني؟ فقال: ودعنا أحمد بن عيسى البصري بالبصرة فقلت له: أوصني؟ / فقال: ودعني أبو نواس الشاعر بالأبلة فقلت له: أوصني؟ فقال: كنت بالأهواز، وكان بيني وبين أزهر السمان معرفة وودعني لما أردت الخروج إلى البصرة، فقلت له: أوصني؟ فقال: يا أبا نواس، أوصيك بثلاث: طاعة الله، وطاعة رسوله، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها، واحذر ثلاثا: (خيانة؟) الرفيق، وضجر الصديق، وقطاع الطريق.
آخره والحمد لله وحده
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
حسبنا الله ونعم الوكيل
_________
(١) كتب في الهامش: ودعنا القاضي أبو العباس أحمد بن عيسى رحمه الله تعالى
1 / 385