Tadhkir al-Anam bi-Sunan wa-Adab al-Siyam
تذكير الأنام بسنن وآداب الصيام
Publisher
دار الإمام الشافعي للطباعة والنشر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٥هـ - ٢٠١٤مـ
Genres
تذكير الأنام
بسنن وآداب الصيام
كتبه
سالم جمال الهنداوي
باحث في الشريعة الإسلامية
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
١٤٣٥هـ / ٢٠١٤مـ
دار الإمام الشافعي للطباعة والنشر
Unknown page
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاتح أبواب المقال، ومانح أسباب النوال، وملهم جواب السؤال، أحمده ﷾ حمدًا يستغرق البكر والآصال، ويستوعب الأماكن ويضيء الزمن والأطلال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه ولا مثال، رب السموات والأرض وما بينهما الكبير المتعال.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله جامع صفات الجلال والجمال، ومن أوتي فصل المقال ﷺ، وعلى آله وصحبه فرسان الجلاد والجدال ما ارتفعت للعلماء راية تمحص عارض الشكوك والإشكال.
اللهم صلي على محمدٍ ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلي على محمدٍ ما تعاقب الليل والنهار، وصلي على محمدٍ وعلى المهاجرين والأنصار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن الصيام هو أحد أركان الإسلام الخمسة ومبانيه العظام، قال رسول الله ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» (١).
فيجب علينا أن نعرف حكمته التي شُرع من أجلها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣].
قال صاحب المنار ﵀: قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ هذا تعليل لكتابة الصيام ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة؛ امتثالًا لأمره، واحتسابًا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتقوى على النهوض
_________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب: الإيمان، باب: قول النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس»، ص (١/ ١١)، حديث رقم: (٨)، ومسلم في صحيحه، في كتاب: الإيمان، باب: قول النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس»، ص (١/ ٤٥)، حديث رقم (٢٠).
1 / 2
بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها فيكون الثبات عليها أهون عليه؛ ولذلك قال ﷺ: ««الصِّيَامُ نِصْفُ الصَّبْرِ» (١)، وهذا معنى دلالة «لعل» على الترجي، فالرجاء إنما يكون فيما وقعت أسبابه، وموضعه هنا المخاطبون لا المتكلم، ومن لم يصم بالنية وقصد القربة لا ترجى له هذه الملكة في التقوى، فليس الصيام في الإسلام لتعذيب النفس لذاته بل لتربيتها وتزكيتها (٢).
وقال الإمام ابن القيم ﵀ عن الصوم: «هو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم.
وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣]،
_________
(١) أخرجه ابن ماجه في «سننه» (١٧٤٥)، وقال الشيخ الألباني: ضعيف، والشهاب القضاعي في «مسنده» (٢٢٩).
(٢) انظر: تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (٢/ ١١٦، ١١٧).
1 / 3
وقال النبي: ﷺ «الصَّوْمُ جُنَّةٌ» (١)، وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وجاء هذه الشهوة.
والمقصود: أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمة بهم، وإحسانًا إليهم وحمية لهم وجنة.
وكان هدي رسول الله ﷺ فيه أكمل الهدي، وأعظم تحصيل للمقصود، وأسهله على النفوس» (٢).
ويجب علينا: أن نعرف ونتعلم فقهه وسننه وآدابه وأسراره؛ حتى نحصل أجر الصائمين وجزاء المتقين، الذي أعده الله ﷿ لعباده الطائعين المخبتين.
عن أبي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ...» الحديث (٣).
إن الصيام مدرسة عظيمة، يتعلم فيها المسلم كيف يعود نفسه على خصال الخير التي يحبها الله ﷿ ويرضاها.
ويعود لسانه: أن يكف ويمتنع عن قول الزور، والفحش من القول، وأن يُلجمه عن الغيبة والنميمة إِلجامًا، وأن يُرطب لسانه أثناء صومه بذكر الله تعالى وقراءة القرآن الكريم، وأن ينطق بالمعروف دائمًا، وإن سابه أحدٌ أو خاصمه أو قاتله لا يرد السيئة بمثلها، بل يقول: «إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».
_________
(١) أخرجه أحمد في «المسند» (٨٠٥٩)، وابن ماجه في «سننه» (٣٩٧٣)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٢٥٤٥)، وصححه الشيخ الألباني ﵀ في «صحيح الجامع»، حديث رقم (٣٨٦٥).
(٢) انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (٢/ ٢٧، ٢٨).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب: الصوم، باب: هل يقول إني صائم إذا شتم، ص (٣/ ٢٦)، حديث رقم: (١٩٠٤)، ومسلم في صحيحه، في كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، ص (٢/ ٨٠٧)، حديث رقم: (١٦٣).
1 / 4
ويعود الصائم يده على فعل الخيرات، وإعطاء الصدقات وإيتاء الزكوات، فلا يستعملها إلا في الخير دائمًا، فيكون جوادًا كريمًا كما كان رسول الله ﷺ.
ويعود الصائم نفسه على الصيام عن الشهوات والملذات كما صامت عن المأكل والمشرب وكثير من المباحات أثناء الصيام.
ويعود الصائم نفسه على قراءة القرآن وختمه باستمرار كما اعتاد ذلك أثناء الصيام، وربما دعاه ذلك إلى حفظه وتعلم أحكام تلاوته، ويعود نفسه على القيام بين يدي الله تعالى في السحر يناجي ربه ساجدًا وقائمًا ومخبتًا؛ فيفوز بالخير والثواب العظيم.
إننا نحتاج حقيقة إلى هذه المدرسة كل عام، نجدد إيماننا، ونطهر نفوسنا، وننقي أبداننا، ونتقرب من الله ﷿، فلله الحمد في الأولى والأخرة على شرعه الحكيم وكتابه المنير.
ولقد جمعت في هذه الرسالة جملة من السنن والآداب التي يحتاجها الصائم في شهر رمضان وفي غيره من الأيام المباركات، راجيًا من الله تعالى القبول والرضوان، وأسميتها: «تذكير الأنام بسنن وآداب الصيام»، وما كان لي ذلك إلا بتوفيقٍ من الله ﷿.
ولقد اعتمدت على كثيرٍ من كتب علماء الإسلام -رحمهم الله تعالى- وعفا عنا وعنهم أجمعين، فأدعوا الله ﷿ السميع المجيب، اللطيف الخبير، أن ييسر لي ولغيري من أبناء المسلمين ما فيه خدمة الدين الحنيف، وأن يستعملنا دائمًا لنصرة الدين، وحمل لواء الشريعة الغراء ما حيينا إلى أن نلقى الله الكريم، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبي ونعم الوكيل.
كتبه
سالم جمال الهنداوي
مصر - المنصورة
ت/ ٠١٠٠٧٥٣٠٧٦٧
شهر رمضان المبارك ١٤٣٣هـ - أغسطس ٢٠١٢مـ
1 / 5
تمهيد
تعريف السنة
معنى السنة لغةً وشرعًا:
السنة لغة: هي الطريقة المسلوكة، وأصلها من قولهم سننت الشيء بالمسن إذا أمررته عليه حتى يؤثر فيه سنًا أي: طريقًا، وقال الكسائي: معناها الدوام، فقولنا: سنة معناه الأمر بالإدامة، من قولهم: سننت الماء إذا واليت في صبه.
قال الخطابي: أصلها الطريقة المحمودة، فإذا أطلقت انصرفت إليها، وقد يستعمل في غيرها مقيدة كقوله: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» (١).
وقيل: هي الطريقة المعتادة، سواءً كانت حسنة أو سيئة، كما في الحديث الصحيح: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» (٢).
وأما معناها شرعًا: أي: في اصطلاح أهل الشرع فهي: قول النبي ﷺ وفعله وتقريره، وتطلق بالمعنى العام على الواجب وغيره في عرف أهل اللغة والحديث.
وأما في عرف أهل الفقه: فإنما يطلقونها على ما ليس بواجب، وتطلق على ما يقابل البدعة كقولهم: فلان من أهل السنة.
قال ابن فارس في «فقه اللغة العربية»: وكره العلماء قول من قال: سنة أبي بكر وعمر، وإنما يقال: سنة الله وسنة رسوله.
_________
(١) أخرجه مسلم (١٠١٧)، وابن ماجه في «سننه» (٢٠٣)، وقال الشيخ الألباني: صحيح، وأحمد في «مسنده» (١٩٢٠٠).
(٢) الحديث السابق.
1 / 6
ويجاب عن هذا:
بأن النبي ﷺ قد قال في الحديث الصحيح: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (١)، ويمكن أن يقال: إنه ﷺ أراد بالسنة هنا الطريقة.
وقيل في حدها اصطلاحًا:
هي ما يرجح جانب وجوده على جانب عدمه ترجيحًا ليس معه المنع من النقيض.
وقيل: هي ما واظب على فعله النبي ﷺ مع ترك ما بلا عذر.
وقيل: هي في العبادات النافلة، وفي الأدلة ما صدر عن النبي ﷺ من غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير (٢).
الفرق بين المستحب والمسنون
قال الشيخ ابن عثيمين ﵀: المستحب هو المسنون، وهو ما أمر به لا على وجه الإلزام بالفعل، فإن أمر به على وجه الإلزام كان واجبًا.
وحكم المستحب: أن يثاب فاعله امتثالًا ولا يعاقب تاركه، ولكنَّ ثوابَ المستحب أو المسنون أقل من ثواب الواجب، بالدليل الأثرى والنظري.
أما الدليل الأثري: فقوله تعالى في الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» (٣)، فصلاة ركعتين فريضة أحب إلى الله من صلاة ركعتين نافلة.
وأما الدليل النظري: فإن إيجاب الله للواجب يدل على أنه أوكد، وأنَّ المكلف محتاج إليه أكثر من احتياجه إلى النوافل.
_________
(١) أخرجه الترمذي في «سننه» (٢٦٧٦)، وابن ماجه في «سننه» (٤٢)، وأحمد في «المسند» (١٧١٤٢)، وصححه الشيخ الألباني ﵀ في «سلسلة الأحاديث الصحيحة»، حديث رقم (٢٧٥٣).
(٢) انظر: إرشاد الفحول للشوكاني (١/ ٩٥).
(٣) أخرجه البخاري (٦٥٠٢).
1 / 7
وهل يفرَّق بين المستحب والمسنون؟
الجواب: فرق بعض العلماء بينهما بأن المستحب ما ثبت بقياس، والمسنون ما ثبت بسنة، أي بدليل.
ولكن الصحيح: أنه لا فرق والمسألة اصطلاحية، فعند الحنابلة لا فرق بينهما، فلا فرق بين أن نقول: يستحب أن يتوضأ ثلاثًا، وأن نقول: يسن أن يتوضأ ثلاثًا، وهذا مجرد اصطلاح، أي: لو أن أحدًا قال في مؤلف له: أنا إن عبَّرت بيسن فإنما أعبِّر عن ثابت بسنة، وإن عبرت بيستحب فإنما عبرت عن ثابت بقياس، ثم مشى على هذا الاصطلاح لم ينكر عليه (١).
_________
(١) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (٦/ ٤٢١).
1 / 8
الفصل الأول
سُنن الصيام
1 / 9
الفصل الأول: سنن الصيام
للصيام سنن حسنة كان يفعلها النبي ﷺ ويحث أصحابه على المداومة عليها وفعلها، وكذلك له جملة من الآداب يستحب للمسلم أن يهتم بها، وأن يحافظ عليها رجاء الثواب والفضل من الله ﷿.
فمن سنن الصيام:
١ - السحور:
السَّحور: بالفتح اسم لما يُؤكل وقت السحر، والسُّحور: هو المصدر أو فعل الفاعل، وكلا الضبطين مناسب إذا ذُكر لفظ «الطعام»، أما إذا لم يُذكر فلا يصح إلا لفظ السَّحور بالفتح؛ لأن السَّحور هو الذي يُؤكل (١).
قال ابن المنذر ﵀: أجمع العلماء أن السحور مندوب إليه مستحب، ولا مأثم على من تركه، وحض أمته ﵇ عليه؛ ليكون قوة لهم على صيامهم (٢).
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (٣).
قال الإمام النووي ﵀:
فيه الحث على السحور، وأجمع العلماء على استحبابه وأنه ليس بواجب، وأما البركة التي فيه فظاهرة؛ لأنه يقوي على الصيام، وينشط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام؛ لخفة المشقة فيه على المتسحر، فهذا هو الصواب المعتمد في معناه.
_________
(١) انظر: معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي، د/ أحمد مختار (١/ ٤٣٩).
(٢) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٤/ ٤٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٩٢٣)، ومسلم (١٠٩٥).
1 / 10
وقيل: لأنه يتضمن الاستيقاظ، والذكر، والدعاء في ذلك الوقت الشريف وقت تنزل الرحمة وقبول الدعاء والاستغفار، وربما توضأ صاحبه وصلى، أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة أو التأهب لها حتى يطلع الفجر (١).
وعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَقَالَ: «إِنَّهَا بَرَكَةٌ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا فَلَا تَدَعُوهُ» (٢).
وعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِغَدَاءِ السُّحُورِ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ» (٣)، وسبب البركة: أنه يقوي الصائم، وينشطه، ويهون عليه الصيام.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» (٤).
قال ابن حجر في «فتح الباري»: «السحور» هو بفتح السين وبضمها؛ لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم؛ لأنه مصدر بمعنى التسحر، أو البركة؛ لكونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح؛ لأنه ما يتسحر به.
وقيل: البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر، والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من
_________
(١) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (٧/ ٢٠٦).
(٢) أخرجه النسائي في «السنن الصغرى» (٢١٦٢)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
(٣) أخرجه النسائي في «السنن الصغرى» (٢١٦٤)، وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.
(٤) أخرجه ابن حبان في «صحيحه»، وقال الشيخ الألباني: حسن، وقال الشيخ: شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.
1 / 11
يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام.
قال ابن دقيق العيد: هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية؛ فإن إقامة السنة يوجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم، قال: ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب؛ لأنه ممتنع عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية (١).
أكلةُ السحر فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب:
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ» (٢).
قال الإمام النووي ﵀:
معناه: الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور؛ فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور (٣).
قال القرطبي: هذا الحديث يدل على أن السحور من خصائص هذه الأمة، ومما خفف به عنهم أكلة السحر (٤).
وقال الإمام الخطابي ﵀:
معنى هذا الكلام: الحث على التسحر، وفيه الإعلام بأن هذا الدين يسر لا عسر فيه، وكان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب، وعلى مثل ذلك كان
_________
(١) انظر: فتح الباري لابن حجر (٤/ ١٤٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٠٩٦)، وأبو داود في «سننه» (٢٣٤٣)، وأحمد في المسند (١٧٧٦٢).
(٣) شرح صحيح مسلم، النووي (٧/ ٢٠٧).
(٤) شرح السيوطي على صحيح مسلم (٣/ ١٩٧).
1 / 12
الأمر في أول الإسلام ثم نسخ الله ﷿ ذلك ورخص في الطعام والشراب إلى وقت الفجر بقوله: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] (١).
وقال الإمام الطحاوي ﵀:
فتأملنا هذا؛ لنقف على المعنى الذي أريد به ما هو، فوجدنا أهل الكتاب من شريعتهم أنهم إذا ناموا في ليلهم حرم عليهم بذلك في بقيته ما يحرم على الصائم، من إتيان النساء، ومن الأكل، ومن الشرب، إلى خروجهم من صوم غد تلك الليلة، وكذلك كان أهل الإسلام في صدر الإسلام حتى نسخ الله ذلك بما نسخه من كتابه.
وعن معاذ بن جبل ﵁، قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، والصيام ثلاثة أحوال فذكر أحوال الصلاة الثلاثة، ثم قال: وأما أحوال الصيام: فإن رسول الله ﷺ قدم المدينة فصام من كل شهر ثلاثة أيام، وصام يوم عاشوراء فصامها كذا ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، ثم أنزل الله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٣] إلى قوله: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ [البقرة:١٨٤]، وكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينًا وأجزأ ذلك عنه، حتى أنزل الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٨٥] إلى قوله: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وإلى قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، ففرضه الله وأثبت صيامه على الصحيح المقيم، ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للشيخ الذي لا يستطيع صيامه.
وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء، فإذا ناموا امتنعوا من ذلك، فجاء رجل يقال له صرمة قد ظل يومه يعمل، فجاء فصلى العشاء ووضع رأسه فنام قبل أن يطعم، فأصبح
_________
(١) انظر: معالم السنن للخطابي (٢/ ١٠٣، ١٠٤).
1 / 13
صائمًا فرآه رسول الله ﷺ من آخر النهار وقد أجهد فقال: «إني أراك قد أجهدت» فقال: يا رسول الله ظللت يومي أعمل فجئت صلاة العشاء فنمت قبل أن أطعم، وجاء عمر ﵁ وقد أصاب من النساء، فنزلت هذا الآية: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] إلى قوله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧].
وقال أيضًا: فوقفنا بذلك على أن معنى ما روينا في حديث عمرو بن العاص هو أن صومنا جائز لنا أن نأكل في لياليه وإن كنا قد نمنا فيها، بخلاف صوم أهل الكتاب الذين إذا ناموا في ليالي صومهم لم يأكلوا فيه، حتى يمضي غد تلك الليلة (١).
_________
(١) انظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي (١/ ٤١٧ - ٤١٩).
1 / 14
ومن سنن الصيام:
٢ - تأخير السحور:
«ويسن تأخير السحور ما لم يقع في شكٍ في طلوع الفجر؛ لخبر: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» (١)
رواه الإمام أحمد؛ ولأنه أقرب إلى التقوي على العبادة،
_________
(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢١٣١٢)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، وقال الشيخ الألباني: في «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» (٤/ ٣٢، ٣٣) منكر بهذا التمام.
أخرجه أحمد (٥/ ١٤٦ و١٧٢) من طريق ابن لهيعة عن سالم بن غيلان عن سليمان بن أبى عثمان عن عدى بن حاتم الحمصى عن أبى ذر به.
قلت: وهذا سند ضعيف، ابن لهيعة ضعيف، وليس الحديث من رواية أحد العبادلة عنه، وسليمان بن أبى عثمان مجهول، وبه أعله الهيثمى، فقال فى «مجمع الزوائد» (٣/ ١٥٤): «وفيه سليمان بن أبى عثمان قال أبو حاتم: مجهول»، وسكوته عن ابن لهيعة ليس بجيد.
وإنما قلت: إن الحديث منكر؛ لأنه قد جاءت أحاديث كثيرة بمعناه لم يرد فيها «تأخير السحور» أصحها حديث سهل بن سعد مرفوعًا بلفظ: «لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الإفطار» أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم فى «الحلية» (٧/ ١٣٦) بسند صحيح، وكذا أخرجه ابن أبى شيبة فى «المصنف» (٢/ ١٤٨/٢) إلا أنه قال: «هذه الأمة»، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهو عند الشيخين والترمذي والدارمي والفريابي (٥٩/ ١) وابن ماجه والبيهقى وأحمد (٥/ ٣٣١ و٣٣٤ و٣٣٦ و٣٣٧ و٣٣٩) بلفظ: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».
وأورده ابن القيم ﵀ فى «زاد المعاد» بلفظ أبى نعيم المتقدم، وبلفظ: «لا تزال أمتى على الفطرة ...».
ولم أره بهذا اللفظ فى التعجيل بالفطر، وإنما جاء فى صلاة المغرب بلفظ: «لا تزال أمتى على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم»، أخرجه أبو داود والحاكم وأحمد بسند جيد، فلعل ابن القيم اشبته عليه بهذا.
1 / 15
فإن شك في ذلك كأن تردد في بقاء الليل لم يسن التأخير بل الأفضل تركه؛ للخبر الصحيح: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ (١)» (٢).
قال الإمام الشافعي ﵀: وأحب تعجيل الفطر وتأخير السحور؛ اتباعًا لرسول الله ﷺ (٣).
وقال الإمام النووي ﵀: قال أصحابنا: وإنما يستحب تأخير السحور مادام متيقنًا بقاء الليل، فمتى حصل شك فيه فالأفضل تركه (٤).
وقال ابن حجر في «فتح الباري»: «قال بن عبد البر: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة، وعند عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان أصحاب محمد ﷺ أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورًا» (٥).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ﵁، حَدَّثَهُ: «أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ». قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ» يَعْنِي: آيَةً (٦).
_________
(١) أخرجه أحمد في «المسند» (١٧٢٣)، والترمذي في «سننه» (٢٥١٨)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٥٢٠١)، والدارمي في «سننه» (٢٥٧٤).
(٢) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الخطيب الشربيني (٢/ ١٦٦).
(٣) مختصر المزني (٨/ ١٥٣)،
(٤) المجموع شرح المهذب، النووي (٦/ ٣٦٠).
(٥) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر (٤/ ١٩٩).
(٦) أخرجه البخاري (٥٧٥).
1 / 16
ولفظُ مسلم: عَنْ أَنَسٍ ﵁، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁، قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ». قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «خَمْسِينَ آيَةً» (١).
وقال ابن حجر في «فتح الباري»: «قال بن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة، وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود.
قال بن أبي جمرة: كان ﷺ ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله؛ لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضًا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر، وقال: فيه أيضًا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم، ولا سيما من كان صفراويًا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان.
قال: وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة؛ لأن زيد ابن ثابت ما كان يبيت مع النبي ﷺ، وفيه الاجتماع على السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة؛ لقوله: «تسحرنا مع رسول الله ﷺ» ولم يقل نحن ورسول الله ﷺ؛ لما يشعر لفظ المعية بالتبعية» (٢).
وعن زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، قَالَ: «تَسَحَّرْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا هُنَيْهَةٌ» (٣).
_________
(١) أخرجه مسلم (١٠٩٧).
(٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر (٤/ ١٣٨).
(٣) أخرجه النسائي في «السنن الصغرى» (٢١٥٣) وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.
1 / 17
وروي عن علي بن أبي طالب ﵁: أنه كان يقول لغلامه قنبر: ائتني بالغذاء المبارك، فيتسحر ويخرج فيؤذن ويصلي؛ ولأن في تعجيل الفطر وتأخير السحور قوة لجسده ومعونة لأداء عبادته (١).
تنبيه: ولا ينبغي لمؤخر السحور ومعجِّل الفطر أن يوقع فعلَه في مظنة التشكك، ودركُ اليقين في الطرفين أهمُّ من كل شيء (٢).
التمر من أفضل ما يُتسحر به:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ» (٣).
وفي التسحر به بركة عظيمة، وثوابًا كثيرًا، فيطلب تقديمه في السحور، وكذا في الفطور إن لم يوجد رطب، وإلا فهو أفضل في زمنه.
قال الطيبي: وإنما مدح التمر في هذا الوقت؛ لأن في نفس السحور ببركة وتخصيصه بالتمر بركة على بركة كما سبق: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة؛ ليكون المبدوء به والمنتهي إليه البركة (٤).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ» (٥).
_________
(١) الحاوي الكبير، الماوردي (٣/ ٤٤٤).
(٢) نهاية المطلب في دراية المذهب، الجويني (٤/ ٥٠).
(٣) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٣٤٧٥)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
(٤) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أبو الحسن المباركفوري (٦/ ٤٧٨).
(٥) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٣٤٧٦)، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
1 / 18
وقال المناوي ﵀:
لأنه يحصل به الإعانة على الصوم بالخاصية، أو لأنه يحصل به النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره العطش.
وقال: فإن البركة في الفعل باستعمال السنة لا في نفس الطعام (١).
_________
(١) التيسير بشرح الجامع الصغير، المناوي (١/ ٤٤٨).
1 / 19
ومن سنن الصيام:
٣ - تعجيل الفطر
ويًسن تعجيل الفطر، وذلك إذا تحقق وتيقن غروب الشمس.
قال الإمام الشافعي ﵀: «وأحب تعجيل الفطر وترك تأخيره، وإنما أكره تأخيره إذا عمد ذلك، كأنه يرى الفضل فيه» (١).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﵁ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (٢).
قال ابن حجر في «فتح الباري»: «قال المهلب: والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل؛ ولأنه أرفق بالصائم، وأقوى له على العبادة، واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين، وكذا عدل واحد في الارجح (٣).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، عَجِّلُوا الْفِطْرَ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ يُؤَخِّرُونَ» (٤).
وقال الإمام النووي ﵀: «فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس، ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظمًا وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه» (٥).
وقال الإمام السيوطي ﵀:
_________
(١) الأم، الشافعي (٢/ ١٠٦).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٥٧)، ومسلم (١٠٩٨).
(٣) فتح الباري، ابن حجر (٤/ ١٩٩).
(٤) أخرجه ابن ماجه في «سننه» (١٦٩٨)، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
(٥) شرح صحيح مسلم، النووي (٧/ ٢٠٨).
1 / 20