Tadhkar Fi Afdal Adhkar

Al-Qurtubi d. 671 AH
189

Tadhkar Fi Afdal Adhkar

التذكار في أفضل الأذكار من القرآن الكريم

Genres

وهذا البيت يحتمل المعنيين فيجوز أن يكون والبرق مبتدأ والخبر يلمع على التأويل الأول فيكون مقطوعا بما قبله ويجوز أن يكون معطوفا على الريح ويلمع في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا. واحتج قائلوا هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه وتعالى مدحهم بالرسوخ والعلم فكيف يمدحهم وهم جهال. وقد قال ابن عباس أنا ممن يعلم تأويله. وقرأ مجاهد هذه الآية وقال أنا ممن يعلم تأويله حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي فإن قال قائل: قد أشكل على الراسخين بعض تفسيره حتى قال ابن عباس رضي الله عنه: لا أدري ما الأواه ولا ما غسلين؟ قيل له: هذا لا يلزم لأن ابن عباس قد علم بعد ذلك تفسيره على ما وقف عليه. وجواب أقطع من هذا وهو سبحانه وتعالى لم يقل لكل راسخ فيجب على هذا القول إذا لم يعلمه أحدهم علمه الآخر. ورجح ابن فورك أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل وكذلك القاضي أبو بكر بن الطيب وأبو محمد مكي بن أبي طالب وغيرهم , وفي قوله عليه الصلاة والسلام لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ما يبين لك ذلك أي علمه معاني كتابك. والوقف على هذا يكون عند قوله والراسخون في العلم. وقال شيخنا أبو العباس أحمد ابن عمرو هو الصحيح فإن تسميتهم راسخين بأنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع. لكن المتشابه يتنوع فمنه ما لا يعلم البتة كأمر الروح والساعة وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره, فمن قال من العلماء الحذاق أن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه إنما أراد هذا النوع. وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة فمباح في كلام العرب فيتأول ويعلم تأويله المستقيم ويزال ما فيه عما عسى أن يتعلق بتأويل غير مستقيم كقوله تعالى في عيسى عليه السلام وروح منه إلى غير ذلك فلا يسمى أحدا راسخا إلا أن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له والله أعلم.

والرسوخ الثبوت في الشيء وكل ثابت راسخ وأصله في الإجرام أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض ورسخ الإيمان في قلب فلان يرسخ رسوخا وحكى بعضهم رسخ الغدير نصب ماؤه فهو من الأضداد حكاه ابن فارس في المجمل ورسخ ورضخ ورسب كله ثبت إلي. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الراسخين في العلم فقال: هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه. فإن قيل كيف كان في القرآن متشابه والله تعالى يقول: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم فكيف لم يجعله كله واضحا؟ قيل له الحكمة في ذلك والله أعلم أن يظهر فضل العلماء لأنه لو كان كله واضحا لم يظهر فضل بعضهم على بعض وهو معنى قوله تعالى ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. وأولوا الأمر هم أولوا العلم والفقه في قول الحسن وقتادة وغيرهما والله عز وجل أعلم

تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وصلواته على خير خلقه سيدنا محمد نبيه وصفيه وحبيبه ونجيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأزواجه وذرياته وسلم بعدد كل حرف جرى به القلم على يد العبد الفقير المعترف بالتقصير الراجي عفو ربه القدير عمر بن أحمد بن عمر المعروف والده بالصفدي اللخمي نسبا والشافعي مذهبا والمصري المولد والدار.

وكان ذلك في اليوم التاسع والعشرون من شهر رجب سنة 788 أحسن الله عاقبتها.

Page 230