فنحن نقول فلان عليم، وفلان بصير، ونقول ان الله عليم، بصير، ولكن الكيفية التي يعلم بها العبد ويبصر - ليست هي التي يعلم بها ربنا ويبصر. وعلم العبد وبصره ليس كعلم الله وبصره، كذلك نقول استوى المعلم على منبر الفصل، ونقول استوى الله على العرش، ونحن نعرف معنى الاستواء (القاموسي) ونطبقه على المعلم، ولكن هذا المعنى لا يمكن أن يكون هو بذاته المقصود حين نقرأ ﴿الرحمن على العرش استوى﴾.
هذا كله متفق عليه بين العلماء، فهم جميعا مقرّون بأن آيات الصفات هي كلام الله. فاذا قال الله ﴿ثم استوى على العرش﴾. لم يستطع أحد أن يقول: ما استوى.
وهم جميعا معترفون بأن المعنى القاموسي البشري لكلمة (استوى). ليس هو المراد من قوله (استوى على العرش).
ولكنهم مع ذلك اختلفوا اختلافا كبيرا، في المراد المقصود، بعد اتفاقهم على ترك التعطيل والتشبيه، تساءلوا:
هل هذه الآيات حقيقة أم مجاز؟
وهل تؤوّل أم لا تؤول؟
أما الذين أوّلوا فقالوا بأن الحقيقة هي استعمال اللفظ بالمعنى الذي وضع له. وهذا هو تعريف الحقيقة عند عامة علماء البلاغة. ولا شك ان اللسان العربي الذي نزل به القرآن. وضعت فيه هذه الألفاظ قبل نزول القرآن. ووضعت لمعانٍ أرضية مادية، حتى انها لتعجز عن العبير عن العواطف والمشاعر البشرية. فضلا عن التعبير عن صفات الله خالق البشر، فان مظاهر الجمال وأشكاله لا حدّ لها، وما عندنا لها كلها الا كلمة (جميل) وأين جمال المنظر الطبيعي، من جمال القصيدة الشعرية، من جمال العمارة المزخرفة من جمال الغادة الحسناء؟ وفي النساء ألف لون من ألوان الجمال، وما عندنا لها كلها الا هذا اللفظ الواحد، فاللغات تعجز عن وصف الشعور بالجمال وكذلك القول في الحب، في تعداد أنواعه. واختلاف مشاعره. وضيق
1 / 72