٢ - وان هذه الروابط بين الأشياء التي سميناها قوانين الطبيعة، ليست كلها كالعلاقة الظاهرة بين النار والخشب الذي نحرقه، والنار والماء الذي يطفئها، ليست كلها بهذه (البساطة (١» وهذا الظهور، بل ان أكثرها أدق وأعمق.
الله وضع في هذا الكون دواء لكل داء، ولكن لم يضع الدواء في مكان باد للعين، ولم يجعله (جاهزًا) معدًا للاستعمال، بل جعله (تعالت حكمته) مخبوءًا في أوضاع عجيبة، وفي أماكن لا يظن أنه موجود فيها، فـ (البنسلين) الشافي، وضعه ربنا في العفن الاخضر، الذي يبدو انه سم مميت، كما وضع أجمل العطور ذوات الروائح العبقة، وأبدع الاصبغة ذوات الألوان الزاهية، في أقبح مادة ريحا وأبشعها شكلا، المادة السوداء القبيحة التي اسمها القطران، ومنها تستخرج العطور والألوان!
ولم توضع وضعا قريبا، بل ان العنصر المؤثر المطلوب، جعله ربنا ممزوجًا بمواد اخرى، متداخلا معها، يحتاج استخلاصه منها إلى عمليات وتجارب وجهود، ومن قرأ كتاب (التلميذة الخالدة) (٢)، علم كيف احتاج استخراج (غرام الراديوم)، إلى تصفية ركام هائل كالتل الصغير، من مواد مختلفة، واجراء العمليات المتعاقبة عليها، التي استمر اجراؤها سنين.
٣ - ولم نكتشف إلى الآن من هذه (النواميس) الكونية التي وضعها خالق الكون الا قطرة من بحر، رأينا فيها العجب العجاب، وصنفنا هذا القليل الذي كشفناه في زمر وأصناف سميناها (علوما)، فكان منها علم الحياة، وعلم الكيمياء، وعلم الفيزياء، وعلم الجسم (الفسيولوجيا)، وعلوم الطب، وسائر العلوم. وانقطع إلى كل علم منها ناس منا، تفرعوا لفهم قوانين الله فيه، وكشف المزيد منها، فكان منهم علماء الحياة، وعلماء الكيمياء، وسائر العلماء.
_________
(١) البساطة في اللغة السعة ولكني قصدت بها المعنى العامي.
(٢) قصة مدام كوري وزوجها. وأرجو أن يقرأ الطلاب هذا الكتاب، ليروا كيف يكون الصبر على تحصيل العلم. وفي سير علمائنا الأولين مئات الأمثلة على مثل هذا الصبر، وعلى الاخلاص للعلم والجد فيه.
1 / 67