ثم يجد أنه يسمع الاغنية الحالمة، في الليلة الساجية، قد خرجت من قلب مغنٍ عاشق، فهزت من سامعها حبّة القلب، وأطلّت على عالم الروح، ويقرأ القصة العبقرية، للأديب البارع، فيحس كأنها تمشي به في مسارب عالم مسحور، فيه مع السحر شعر وعطر، فاذا انتهت القصة رأى كأنه كان في حلم لَذٍّ فتّان، وصحا منه، فهو يحاول عبثا أن يعود إلى لذته وفتونه.
ويعيش في لحظات التجلي، حين تصفو النفوس بالتأمل فتتخفف من أثقال المادة، فتعلو بجناحين من الصفاء والتجرد، حتى تصل إلى حيث ترى الأرض وما عليها، أصغر من أن ينظر اليها، لما تجد من لذة الروح التي لا تَعْدلها لذة الطعام للجائع، ولا لذة الوصال للمحروم، ولا لذائذ المال والجاه للفقير المغمور.
واذا بالنفس تتشوق أبدا إلى هذا (العالم الروحي) العلوي، العالم المجهول، الذي لا تعرف منه الا هذه اللمحات، التي لا تكاد تبدو لها حتى تختفي، وهذه النفحات التي لا تهب حتى تسكن. فيعلم أن اللذات المادية محدودة، وان اللذات الروحية أكبر منها كبرا، وأعمق في النفس أثرا. ويُوقن (بالحدس النفسي، لا بالدليل العقلي)، ان هذه الحياة المادية ليست كل شيء، وان العالم المجهول، المختبئ وراء عالم المادة، حقيقة قائمة، تحن اليها الأرواح، وتحاول أن تطير اليها، ولكن هذا الجسد الكثيف يحجبها عنها، ويمسكها عن ان تنطلق وراءها، وهذا هو الدليل النفسي على وجود العالم الآخر.
قواعد العقائد
القاعدة الثامنة - الاعتقاد بوجود الحياة الاخرى
الاعتقاد بوجود الحياة الاخرى، نتيجة لازمة للاعتقاد بوجود الله - وبيان
1 / 50