وأمانيه، غلبت عليه في هذه الحال الصفة البهيمية، فكان كالفحل أوالحصان، أو ما شئت من أصناف الحيوان.
هذه حقيقة الانسان، فيه الاستعداد للخير، والاستعداد للشر، أعطاه الله الأمرين، ومنحه العقل الذي يميز به بينهما، والارادة التي يستطيع بها أن يحقق احدهما، فان أحسن استعمال عقله في التمييز، وأحسن استعمال ارادته في التنفيذ، ونمّى استعداده للخير، حتى تخلق به وأنجزه، كان في الآخرة من السعداء. وان كانت الاخرى، كان من المعذبين.
صحيح أن النفس مطبوعة على الحرية، والدين قيد، ولكن لا بدّ من هذا القيد، ولو تركناها تأتي الفواحش كما تشاء انطلاقا من طبع الحرية فيها، لصار المجتمع (مارستانا) كبيرًا، لأن الحرية المطلقة للمجانين. المجنون يفعل كل ما يخطر على باله، يمشي في الطريق عاريًا، ويركب على كتفي سائق السيارة العامة، ويستحسن ثوبك فيأخذه من فوق كتفيك، وتعجبه بنتك فيطلبها منك بحق الغرام، لا بشرعة الإسلام.
المجنون هو الحر الحرية المطلقة، وأما العاقل، فان عقله يقيد حريته. وما العقل؟ انه قيد، ان لفظه مشتق من الاصل الذي اشتق منه (العقال) أي الحبل، الذي يقيد به الجمل. والحكمة، قريب معنا، من (حَكَمة الدابة) وهي كذلك قيد، والحضارة قيد، لأنها لا تدعك تفعل ما تريد، بل توجب عليك مراعاة حقوق الناس وأعراف المجتمع. والعدالة قيد، لأنها تضع نهاية لحريتك، حيث تبدأ حرية جارك.
ثم إن المعاصي لذيذة، لأنها توافق طبيعة النفس، انك تجد لذة في سماع الغيبة والمشاركة فيها، لأنها تشعرك بأنك خير من هذا الذي يذكرونه بالسوء وأفضل. والسرقة لذيذة لأن فيها امتلاك المال بلا كد ولا نصب، والزنا لذيذ لأن فيه إعطاء النفس هواها، وانالتها مشتهاها، والغش في الامتحان لذيذ، لأنه يوصل إلى النجاح بلا جهد، والهرب من الواجب - مهما
1 / 19