خارجة عن ذاته ، كان بالحقيقة هو المختار. وإنما لا يصح فينا الاختيار الحقيقى لأن فينا قوتين : قوة تطلب شيئا خلاف ما تجبر عليه ، وقوة تحاول ضد ذلك. والأول ليس فيه هذا لأن صدور الأشياء عن ذاته هو بحسب خيريته ، وتلك الأشياء غير منافية لذاته فلا يكون هناك تنازع فى الإرادة.
يجب أن يكون فى الوجود وجود بالذات ، وفى الاختيار اختيار بالذات وفى الإرادة إرادة بالذات ، وفى القدرة قدرة بالذات حتى يصح أن تكون هذه الأشياء لا بالذات فى شىء. ومعناه أن يكون يجب أن يكون واجب الوجود وجودا بالذات ومختارا بالذات وقادرا بالذات ومريدا بالذات حتى تصح هذه الأشياء لا بالذات فى غيره.
العقول الفعالة لم يسبق وجودها إمكان ، فليست هى مادية ، فإمكان وجودها فى ذواتها.
كمالات الإنسان فى العلم والعمل محدودة ، وهى غير معتد بها بالقياس إلى كمالات العقليات ، والناس فيها متفاوتون ، وقلما يوجد منهم من يحيط بها مع نزارة مقدارها بل الجمهور فيهم نقص ، وكل إنسان يعرف من نفسه نقصانه ويشهد عليها به ولذلك يدهش فلا يهتدى إلى سمت رشده ، ولأجل هذا الدهش يذهب عن طلبها يأسا منها فيحيد عنها إلى أمور دنياوية ، أو يعول فى علمه على أوهام مضلة.
قد نكره على فعل شىء ويكون فيه صلاحنا فلا يكون فعلنا تبعا للوهم.
** المعتزلة
خيلت لهم أنه ليس بجسم. ثم لما جاءوا إلى تفصيل أحواله شبهوا أحواله وأفعاله بأحوال الإنسان. والسبب فى ذلك أنهم لم يعرفوا خواص ما ليس بجسم فكانوا يثبتونها له بل ثبتوا له أحوالا تبعوا فيها الوهم بواسطة المحسوسات ، ثم قاسوا إليه أحوال المحسوسات فلم يقدروا على أن يوفوه حقه فى المجد والعلو ، وحسبوا أنه إذا بريء من الأفعال الإنسانية والقدرة الإنسانية والإرادة الإنسانية والاختيار الإنسانى كان نقصا له ، ولم يعلموا أن هذه الأحوال التي لنا هى نقصانات ، ولم يعرفوا أيضا الكمال الحقيقى. فقصارى أمرهم أنهم نفوا عنه أحوال الجمادات ، وأثبتوا له أحوال الإنسان. والأحوال الجسمانية والأفعال التي تصدر عن الجسمانى لا تخلو من نقصانات كثيرة بالقياس إلى الكمال المطلق. وهم قاسوا أحوال الأول بأحوال الإنسان لأنهم لم يعرفوا العقليات وذات الأول ، وأثبتوا له صفات هى فى الإنسان فضائل وكمالات كالعلم والحكمة والسمع والبصر ، وإنما أثبتوها له هربا من نقائضها. إلا أنهم لما رأوا الإنسان مع هذه الفضائل
Page 52