الأفلاك فإنه لا يعرف الأسباب التي بعدها على التوالى حتى ينتهى إلى الحادث ، ولا يعرف الأسباب المنفعلة الأرضية تابعة للحركات. ولما كانت الحركات غير متناهية كانت الأسباب غير متناهية. وأسباب حادث جزئى تتركب تركيبا منتظما على ترتب المعلولى والعلى حتى ينتهى إلى حركة الفلك ، ومنها إلى تقدير البارى وإرادته. وكل فعل لنا وكل ارادة وكل تدبير ، لما كان حادثا كان سببه الحركة ، ولتلك الحركة حركة إلى أن ينتهى إلى الحركة الأولى. فإذن كل أفعالنا وإراداتنا وتدبيراتنا بقدر ونحن مخيرون عليه.
قوله : كل ما تكون بعديته بعدية لا تكون مع القبلية موجودة بل بما نراه فى الوجود معناه أن العالم وجد بعد أن لم يكن موجودا بعدية حدثت بعد بطلان معنى هو القبلية.
مصادمات الأسباب تعلق بعضها ببعض وتسلسلها وتأدى بعضها إلى بعض واستمرارها على نظام من غير أن يتخلله انقطاع أو انخرام شىء. ومطابقاتها مسبباتها التي تنطبق عليها نهايات الشىء على الشىء ، فلا يفضل عنها ومعناه مسبباتها التي تكون لها وتختص بها ولا تزيد عليها ولا تنقص عنها.
وجوب الوجود لا علة له ، ومن خواص الوجود الذي لا علة له أن لا ينقسم ولا يكون اثنين وإلا كانت له علة. والمعنى الأحدى الذات لا ينقسم بذاته. وإذا انقسم إلى اثنينيته فلعلة من خارج غير ذاته. ووجوب الوجود معنى أحدى فإن انقسم لم ينقسم لذاته وكان له سبب ، ولم يكن حينئذ وجوب الوجود بذاته.
المعنى الواحد إذا تكثر فإنما يتكثر بأسباب لاحقة كالإنسان مثلا ، ويكون ذلك المعنى لا محالة معلولا.
وجوب الوجود يمتنع عليه التكثر. فإنه إن تكثر لم يكن وجوب الوجود.
المعتزلة يفرضون علة الوجود علة حالة من حالات الوجود ، وهو الحدوث ، لا علة الوجود نفسه. وعلة الوجود تكون مع المعلول. وعلة الحدوث لا تكون معه. وكل من يقول بعلة الحدوث فإنه يعتقد أن الوجودات تحتاج فى أن تكون لها هذه الصفة وهو سبق العدم إلى علة ، والوجودات فى أن يسبقها عدم لا تحتاج إلى علة بل تحتاج فى أنفسها إلى علة.
عندهم أن الإرادة شىء خارج عن ذات البارى لا بد من أن يحدث لذاته أو فى ذاته يعنى : يؤدى آخره إلى ارادة لأنه لم يرد ثم أراد فإن كان يوجد شىء بعد ما لم يوجد
Page 131