وقال محمد بن حرب الهلالي: أتى حيان بن سلمى العامري قبر عامر بن الطفيل ولم يكن شهده فقال: أنعم صباحًا أبا علي، والله لقد كنت سريعًا إلى المولى بوعدك، بطيئًا عنه بإيعادك، ولقد كنت أهدى من من النجم، وأجرأ من السيل. ثم التفت إليهم فقال: كان ينبغي أن يصيروا قبر أبي علي ميلًا في ميل.
وقال محمد بن علي المنسوب إلى أمه الحنفية: أيها الناس، إنكم في هذه الدار أغراض تنتضل فيكم المنايا، لن يستقبل أحد منكم يومًا جديدًا من عمره إلا بآخر من أجله، فأية أكلة ليس معها غصص، أم أية شربة ليس معها شرق؟ فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه، فإن اليوم غنيمة، وغدًا لا يدرى لمن هو. أهل الدنيا أهل سفر، يحلون عقد رحالهم في غيرها. قد خلت من قبلنا أصول نحن فروعها. فما بقاء الفرع بعد أصله؟ أين الذين كانوا أطول منا أعمارًا وأبعد منا آمالًا؟ أتاك يا بن آدم ما لا ترده، وذهب عنك ما لا يعود إليك. فلا تعدن عيشًا منصرفًا عيشًا مالك منه إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك، وتقربك من أجلك، فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم. فعليك بذات نفسك، ودع ما سواها، واستغن بالله يغنك.
ومما يستحسن من قول متمم بن نويرة الدال على صحة عقله وتمكن الحزن من قلبه، وقلة نسيانه أخاه، أنه كان لا يمر بقبر، ولا يذكر الموت بحضرته إلا قال: يا مالك ثم فاضت عبرته، ففي ذلك يقول: الطويل
1 / 115