وفي مجلة «عالم الفن» كانت صديقتها سميرة تعمل محررة، ولم تكن سميرة حائزة على شهادة في الأدب أو الفن، لكنها كانت حائزة على أنف جميل، وعينين خضراوين ناعستين، وقوام ملفوف رشيق.
وكانت، فوق جمالها ورشاقتها، تعرف كيف تستغل أنوثتها وتصوب سهامها، ولا بد لها أن تصيب هدفا.
وكان رئيس التحرير معجبا بها، أو محبا لها، فما من أحد كان يعرف الحقيقة.
وكانت سميرة تحب المرح، وتضحك ضحكة ناعمة تنتشي لها الأجسام وتتحمس للاستهتار بكل شيء، وللاستمتاع بأي شيء، وإذا وجدت امرأة بهذه الصورة، وسط مجموعة من الرجال، فلا بد أن يكون الجو مسليا!
وذات يوم كانت شلة سميرة تجلس كالمعتاد، بين سخرية ولهو وتهكم، وهيام بينهم واجمة تحس أنها تضيع عمرها في قضايا تافهة وتسلية فارغة.
وفجأة خرج من الحجرة المجاورة شاب طويل يلبس قميصا وبنطلونا، ويمسك في يده لوحة، واتجه إلى أحد المحررين وجلس إلى جواره، وأخذا يتفرجان معا على اللوحة ويتحدثان بصوت خفيض.
وأحست هيام أن شيئا ما أو حادثا ما، يحيط بهذا الشاب، ورأت في عينيه وملامحه شبها كبيرا بفكرة في رأسها، كأنما هو يعبر عنها بحركاته ونظراته.
واستعرضت هيام المحررين أمامها، كانوا يتكلمون ويحركون شفاههم، ولفت نظرها أشكال آذانهم، ووجدت شبها كبيرا بينهم وبين الأرانب، والتفتت نحو الشاب الجديد، كانت لا ترى منه سوى ظهره، لكنها أحست أنه بسيط، واثق من نفسه، طبيعي جدا، لا يلقي بالا شديدا لمن حوله، وأحست هيام أنها تريد أن تكلمه وأن تسمع صوته، وأن تعرف آراءه.
وحينما وقفت لتودع سميرة صافحت زملاءها، وصافحته هو أيضا، وهي تنظر في أعماق عينيه لترى شيئا تبحث عنه.
وتقلبت هيام تحت الملاءة وتثاءبت وتمطت، إنها الليلة ليست على ميعاد مع أحد، ويمكنها أن تظل تحت الملاءة كما تريد، لكنها شبعت من النوم، والجو حار لا يغري بالبقاء في السرير.
Unknown page