ووصل الدكتور إلى المستوصف، وركن سيارته بجوار الرصيف أمام الباب بعد أن أحكم إغلاقها بالزجاج والمفتاح، والتفت حوله ونادى بصوت عال: يا فيشاوي. - أيوه يا سعادة البيه. - انت فين يا حمار، خليك واقف جنب العربية اوع تنتقل، أحسن ولاد أخوك وولاد اختك وولاد المحروسة خالتك يركبوها حمار، فاهم يا حمار؟! - حاضر يا سعادة البيه.
ويبتسم فيشاوي لنفسه في سعادة، هذه هي تحية البيه الدكتور له كل صباح.
وقف الدكتور رجب على باب المستوصف، وفي عينيه نظرة اشمئزاز وقرف، ورأى «توفيق» وهو يخترق كوم اللحم البشري المتجمع أمام الباب: وسع السكة للبيه، وسع يا جدع انت خلي عندك دم، لمي يا ولية ولادك من السكة، اتلحلح يا أخي اتلحلح، البيه واقف مش عارف يفوت، اتفضل يا بيه، وسع يا جدع، اوعي يا ولية، ابعد شوية يا راجل، اتفضل يا بيه.
وينشق الكوم البشري الملتصق بالأرض عن شق ضيق يفوت منه الدكتور رجب وهو يكتم أنفاسه حتى لا يشم رائحة الجراثيم الملوثة بالتراب، ورائحة العرق المريض والأنفاس العفنة.
ووصل الدكتور إلى حجرة مكتبه، واستقبلته ست عنايات بابتسامة عريضة: صباح الخير يا بيه. - صباح الزفت يا ولية.
ونظر إليها شزرا ثم قال: «انت مالك يا بت بتسمني كده؟! يظهر انكم بتيجو على العيا، جاتكم عيا.» - اسكت والنبي يا بيه أحسن طول الليل عندي كحة وعاوزة أعمل أشعة عشان اطمن. - تطمني على إيه يا ولية؟ هي الجتة دي كلها يجيلها سل؟ امشي غوري من قدامي، سل لما يلهفك.
وابتسمت ست عنايات وخرجت، لقد تعودت على هذه الشتيمة اللذيذة من البيه الدكتور، بل إنها حينما ينسى الدكتور رجب وسط شغله الكثير أن يشتمها تحاول أن تجر شكله بطريقة خفية فتدخل إليه تمشي في دلال كأنها مكسوفة وتقول بصوت ناعم فاتر: تسمح لي والنبي يا بيه آخد أجازة بكرة.
وتسكت وتنظر إليه وهي تعرف أنه سيبدأ بالشتيمة، وفعلا ينظر إليها في عجب، ويهز رأسه في سخرية: ليه عاوزة أجازة بكره؟ ناوية تموتي بكره؟ إلهي ربنا ياخدك ويريحنا منك.
وتبتسم ست عنايات، ولا تكتفي بهذا النصيب الضئيل من الشتيمة فتقول في دلال: والنبي يا بيه ربنا يخليك أصل كل سنة وانت طيب حاعمل الكحك بكره. - كحك؟ الناس مش لاقية العيش وانت بتعملي كحك؟ وكمان لك عين تطلبي أجازة، غوري، غوري من قدامي، آل كحك آل! انزاحي يا ولية شوفي لك شغلة.
وتخرج عنايات، ويجلس الدكتور إلى مكتبه، ويخرج المفاتيح من جيبه ويفتح ثلاثة أدراج من المكتب، ويخرج رزمة من الورق ورزمة من الدوسيهات والأشعات وثلاثة أقلام حبر ودباسة وعلبة سجائر وعلبة كبريت، ثم يقوم ويفتح دولاب صغير، في الحائط، ويخرج منه بالطو أبيض، ويضع جاكتته وينحني بقامته الطويلة إلى رف سفلي ويخرج منه فوطة وصابونة وكوب زجاج فارغ، ثم يعود إلى المكتب ويجلس ويضغط على زر بجواره فيضيء فانوس الأشعة، ويفتح أول «دوسيه» أمامه وينظر فيه، ثم يفتح الباب ويدخل توفيق عبده: «سعادة البيه فيه واحد عاوز يقابل سعادتك.» - والله سعادتي مش فاضي يقابل حد، مش شايف يا أعمى أنا قدامي إيه؟ مش شايف يا بهيم أنا مش باين من الدوسيهات؟ - حاضر يا سعادة البيه.
Unknown page