48

Tabsira

التبصرة

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

فلاحظ لِلْغَافِلِ فِي ذَلِكَ إِلا سَمَاعُ الرَّعْدِ بِأُذُنِهِ ورؤية النبات والمطر بعينيه. كَلا! لَوْ فَتَحَ بَصَرَ الْبَصِيرَةِ لَقَرَأَ عَلَى كل قطرة، ورقة خطاّ بِالْقَلَمِ الإِلَهِيِّ، [تُعْلِمُ] أَنَّهَا رِزْقُ فُلانٍ فِي وَقْتِ كَذَا. ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الْمَعَادِنِ لِحَاجَاتِ الْفَقِيرِ إِلَى الْمَصَالِحِ، فَمِنْهَا مُودَعٌ كَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ، وَمِنْهَا مَصْنُوعٌ بِسَبَبِ غَيْرِهِ كَالأَرْضِ السَّبَخَةِ يُجْمَعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ فَيَصِيرُ مِلْحًا. وَانْظُرْ إِلَى انْقِسَامِ الْحَيَوَانَاتِ مَا بَيْنَ طَائِرٍ وَمَاشٍ وَإِلْهَامِهَا مَا يُصْلِحُهَا. وَانْظُرْ إِلَى بُعْدِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَيْفَ مَلأَ ذَلِكَ الْفَرَاغَ هَوَاءً لِتَسْتَنْشِقَ مِنْهُ الأَرْوَاحُ وَتَسْبَحُ الطَّيْرُ فِي تَيَّارِهِ إِذَا طَارَتْ. وَانْظُرْ بِفِكْرِكَ إِلَى سَعَةِ الْبَحْرِ وَتَسْخِيرِ الْفُلْكِ فِيهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ دَابَّةٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: خَلَقَ اللَّهُ ألف أمة، فأسكن ستمائة في البحر وأربعمائة فِي الْبَرِّ. وَاعَجَبًا لَكَ لَوْ رَأَيْتَ خَطًّا مُسْتَحْسَنَ الرَّقْمِ لأَدْرَكَكَ الدَّهَشُ مِنْ حِكْمَةِ الْكَاتِبِ، وَأَنْتَ تَرَى رُقُومَ الْقُدْرَةِ وَلا تَعْرِفُ الصَّانِعَ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْهُ بِتِلْكَ الصَّنْعَةِ فَتَعَجَّبْ كَيْفَ أَعْمَى بَصِيرَتَكَ مَعَ رُؤْيَةِ بَصَرِكَ! سَجْعٌ عَلَى قوله تعالى ^ وما تغني الآيات والنذر على قوم لا يؤمنون ^ كَيْفَ تَصِحُّ الْفِكْرَةُ لِقَلْبٍ غَافِلٍ، وَكَيْفَ تَقَعُ الْيَقَظَةُ لِعَقْلٍ ذَاهِلٍ، وَكَيْفَ يَحْصُلُ الْفَهْمُ لِلُبٍّ عَاطِلٍ، عَجَبًا لِمُفَرِّطٍ وَالأَيَّامُ قَلائِلُ وَلِمَائِلٍ إِلَى رُكْنٍ مَائِلٍ، لَقَدْ خَابَ الْغَافِلُونَ وَفَازَ الْمُتَّقُونَ ﴿وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يؤمنون﴾ .

1 / 68