164

Tabsira

التبصرة

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

فَأَصْبَحَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأخيه﴾ فَلَمَّا عَادُوا إِلَيْهِ بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ وَهِيَ الْقَلِيلَةُ، وقفوا موقف الذل، وقالوا: تصدق علينا. فقال: ﴿هل علمتم ما فعلتم بيوسف﴾ وكشف الحجاب عن نفسه، فعرفوه فقالوا: ﴿أئنك لأنت يوسف﴾ فَحِينَئِذٍ قَالُوا: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ علينا﴾ . قَالَ الزَّجَّاجُ: تَاللَّهِ بِمَعْنَى: وَاللَّهِ. إِلا أَنَّ التَّاءَ لا يُقْسَمُ بِهَا إِلا فِي اللَّهِ ﷿. وَلا يَجُوزُ: تَالرَّحْمَنِ وَلا تَرَبِّي. وَالتَّاءُ تُبْدَلُ
مِنَ الْوَاوِ كَمَا قَالُوا فِي وُرَاثٍ: تُرَاثٌ. وَقَالُوا: يَتَّزِنُ. وَأَصْلُهُ يُوتَزَنُ، مِنَ الوزن. ومعنى " آثرك الله " اخْتَارَكَ وَفَضَّلَكَ، وَكَانَ قَدْ فُضِّل عَلَيْهِمْ بِالْحُسْنِ وَالْعَقْلِ وَالْحِلْمِ وَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ﴿وَإِنْ كُنَّا لخاطئين﴾ أَيْ لَمُذْنِبِينَ آثِمِينَ فِي أَمْرِكَ.
﴿قَالَ لا تثريب عليكم اليوم﴾ أَيْ لا أُعَيِّرُكُمْ بِمَا صَنَعْتُمْ. ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ أَبِيهِ فَقَالُوا: ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ. فَأَعْطَاهُمْ قَمِيصَهُ وَقَالَ: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أبي يأت بصيرا﴾ وَهُوَ قَمِيصُ الْخَلِيلِ الَّذِي كَانَ فِي عُنُقِ يُوسُفَ، وَكَانَ مِنَ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ حَمَلَ الْقَمِيصَ يَهُوذَا وَقَالَ: أَنَا حَمَلْتُ قَمِيصَ الدَّمِ وَهَا أَنَا أَحْمِلُ قَمِيصَ الْبِشَارَةِ. فَخَرَجَ حَافِيًا حَاسِرًا يَعْدُو وَمَعَهُ سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَكْلَهَا، فَقَالَ يَعْقُوبُ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ: ﴿إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يوسف لولا أن تفندون﴾ أَيْ تُنْكِرُونَ عَلَيَّ لأَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهُ حَيٌّ.
﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بصيرا﴾ . ثم خرج في نحو من سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِهِ، وَخَرَجَ يُوسُفُ لِتَلَقِّيهِ، فَلَمَّا الْتَقَيَا قَالَ يَعْقُوبُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُذْهِبَ الأَحْزَانِ. فَقَالَ يُوسُفُ: بَكَيْتَ يَا أَبَتِي حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُكَ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقِيَامَةَ تَجْمَعُنِي وَإِيَّاكَ! فَقَالَ: يَا بُنَيَّ خَشِيتُ أَنْ يُسْتَلَبَ دِينُكَ فَلا نَجْتَمِعُ!
وَكَانَ يُوسُفُ ﵇ يركب في كل شهر ركبة في ثمانمائة أَلْفٍ، وَمَعَهُ أَلْفُ لِوَاءٍ وَأَلْفَا سَيْفٍ، فَيَدُورُ فِي عَمَلِهِ فَيَنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ.
وَكَانَتْ زُلَيْخَا تَلْبَسُ جُبَّةَ صُوفٍ وَتَشُدُّ وَسَطَهَا بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ وَتَقِفُ عَلَى

1 / 184