الشريفة تعتزم شراء الكتاب من طلاب المحمدية ونشره، بعد تكليفهم -أو تكليف بعضهم أو غيرهم- بإجراء بعض التعديلات عليه، فثارت في نفسي الغيرة على العلم وأهله، وسعيت إلى -من يُمَثِّلُ أولئك الطلاب بِعَرْضِ مالٍ مجُزٍ- في نظري -مقابلَ التنازل لي عن حق السبق إلى إخراج الكتاب، وتزويدي بما بذلوه مشفوعًا بما اعتمدوه من مخطوطاته لأعيد العمل فيه من
جديد، فأنقذ بذلك الكتاب من أن يخرج للقرَّاء محرَّفًا مصحَّفًا، ولكني لم أوفَّق في مسعاي، ولم أبلُغ المراد نظرًا لتلقيهم -كما بلغني- عرضًا ماليًا يبلُغ ضعف ما عرضتُ عليهم.
عندئذ شمَّرتُ عن ساعد الجد، وعزمت على الشروع في تحقيق الكتاب من البداية، واستنفرتُ الأصدقاء والأعوان للنصرة والمساعدة؛ فلقيت منهم أكثر مما توقعت من التشجيع والمساندة، وطفقت أجوب مكتبات العالم في جمع أصوله ونُسَخه، حتى اجتمع بين يديَّ ما يغلب على ظني استحالة الوصول إلى غيره، أو الحصول على مزيد عليه.
ولا بأس هنا من الإشارة إلى أمرين ذوَي شأنٍ عرضا لي أثناء مرحلة تجميع المخطوطات:
أوَّلهما: أني سعيتُ إلى الحصول على صورة لجزءٍ من التبصرة يحفظ أصله في الخزانة الحسنية، بالقصر الملكي العامر في الرباط، فطلبتها من العلامة الأستاذ الدكتور أحمد شوقي بنبين، وتوقَّعت أن أجد بعض المشقة في الحصول عليها، ولكني فوجئت بنقيض ما توقعتُ، حيث أمر فضيلته بتصويرها على عجل، وتكفَّل بإيصال صورة ورقية منها حملها بيديه الكريمتين إلى مكتبي في القاهرة، فكان لموقفه هذا وقعٌ حسنٌ في نفسي ونفوس إخواني في مركز "نجيبويه"،
مقدمة / 31