والتسليم به، خاصةً أنَّ في "التبصرة" -بين كتب المالكية- جرأة -لا تخفى ولا تُنكر- في الاختيار والترجيح، يلزَم منها رد كثيرٍ من الأقوال، والرد على كثير من القائلين، وإن كانوا -في العلم- من الراسخين.
فإذا تقرر هذا فليعلم أنَّ عدم الإفتاء بما في التبصرة -إن سلِّم به- فمردُّه إلى كونها ليست من كتب هذا الفنِّ، وكون مصنِّفها ﵀ غير ملتزم باطرادٍ منهجَ المالكية في الإفتاء.
الجانب الثاني: في إثبات أن الدعوى المزعومة واهية متهالكة في ميزان النقد العلمي، وذلك لأنَّها لم تنقل إجماعًا ولا اتفاقًا، بل جاءت أقرب إلى الحكاية منها إلى الرواية في مصدرين؛ أوَّلهما كتاب نفح الطيب، حيث جاء فيه عن المقري الجد (ت ٧٥٩ هـ) أن الناس (تركوا الرواية فكثر التصحيف وانقطعت سلسلة الاتصال، فصار الفتاوى تنفذ من كتب لا يدرى ما زيد فيها وما نقص منها لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنها، ولقد كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغون الفتوى من تبصرة الشيخ أبي الحسن اللخمي لكونه لم يصحح على مؤلفه ولم يؤخذ عنه) (١).
وثانيهما قول ابن مرزوق (ت ٧٨١ هـ) في كلام له بعد أن أشكل عليه كلام الشيخ خليل في التوضيح: (نصُّ اللخمي في جوابه صريح في أنه أفتاه بالتيمم لا يشتبه على ناظر، نعم من مسائل خليل الاختصار، فربما أوقعه في بعض المواضع في الاختصار المخل، إلا أن تكون النسخة التي نقل منها محرَّفة، وهذا بعيدٌ لشهرة كتاب اللخمي في هذا الموضع، وإن كان يعتري نسخه الاختلاف في كثير من المواضع، ولذلك تجدني أتوقف عن الفتيا بما فيه،
_________
(١) نفح الطيب: ٢/ ٢٧٢.
مقدمة / 26