قال فيها البيروني متسائلا: «إذا كانت الأجسام تنبسط بالحرارة وتنقبض بالبرودة، وكان انصداع القماقم الصياحة وغيرها لأجل ذلك، فلم صارت الآنية تنصدع وتنكسر إذا جمد ما فيها من الماء إلى آخر الفصل.»
63
فرد عليه ابن سينا: «إن من نفس المسألة يمكن أن يخرج لها جواب؛ فإنه كما أن الجسم لما انبسط عند التسخن طلب مكانا أوسع فشق القمقمة، كذلك الجسم إذا انقبض عند التبرد وأخذ مكانا صغيرا كاد أن يقع الخلاء في الإناء، فشق وانصدع لاستحالة ذلك؛ ولهذا من الطبيعة وجوه غير هذا، وهي العلة لأكثر ما يقع من هذا، ولكن فيما ذكرنا كفاية في الجواب.»
64
لكن البيروني اعترض على هذا الجواب وقال: «لو كان الانصداع في القماقم إلى داخلها لأوشك أن يكون ما ذكرت، ولكن الأمر على خلافه، فإنها تنصدع إلى خارجها كالذي يكلف حمل ما لا يطيق ولا يسع.»
65
هنا طلب ابن سينا من تلميذه المعصومي أن يرد على البيروني فقال له: «أما اعتراضك على انصداع القمقمة أنه يجب أن تنصدع إلى داخل إن كان لأجل الخلاء فخطأ؛ وذلك أن علة الانصداع حاصلة من داخل؛ لأن الماء إذا تماسك وجمد في القمقمة وكاد يبقى بينه وبين القمقمة مكان خال، تشوق ذلك المكان إلى متمكن لاستحالة كونه خاليا، فأوجب ذلك التشوق الطبيعي صدع القمقمة؛ على أنه لا فرق في الحس بين الصدع الحادث من داخل ومن خارج، وفي كلا الحالين يكون من خارج أكبر وأفتق؛ لكون السطح الخارج أعظم من الداخل. وعلى أن البرودة المفرطة في الأجرام إذا سرت يبستها وقبضتها، وأحدثت فيها شقا كما يظهر في شدة البرد من الانشقاق في الأرض في الجمد.»
66
ملخص الحوارية السابقة أن البيروني قال: إذا كانت الأشياء تتمدد بالحرارة وتتقلص بالبرودة، فلم تنصدع القوارير إذا جمد الماء فيها؟
فأجاب ابن سينا أن التقلص يستدعي إحداث خلاء أو فراغ ما في الوعاء، ولما كان إحداث الخلاء محالا فقد سبب ذلك تصدع الإناء وكسره. ونحن نعلم حاليا أن الماء الصافي يبلغ كثافته الدنيا في الدرجة (4° مئوية)، فإذا هبطت برودته عن هذه الدرجة ازداد حجمه، وكذلك إذا سخن وزادت حرارته على (4° مئوية) تمدد؛ لذلك يعود سبب تصدع الإناء إلى ازدياد الحجم بالتجمد. ومن الطريف اعتراض أبي الريحان على جواب ابن سينا؛ إذ لو كان السبب في التصدع هو الخوف من ظهور الخلاء للزم أن يكون الانصداع إلى الداخل، ولكن الأمر على خلافه، وهو أن الانصداع يقع في الخارج.
Unknown page