وأجمع ما وقفت عليه من ذلك، كتاب " الخصائص الكبرى " للجلال السيوطي، وكتاب " السيرة النبوية " للحافظ تقي الدين المقريزي، فمن أراد أن يُنزه بصره وبصيرته في رياض الجنة، فعليه بمطالعتهما، والوقوف عليهما، جزاهُما الله تعالى عن نبيه ﷺ أحسن الجزاء بمنه، وكرمه، آمين.
ومدحه ﷺ بالشعر جماعةٌ عديدة، من رجال الصحابة ونسائهم، جمعهم الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس اليعمري في قصيدة ميمية، ثم شرحها في مجلد، سماها " منح المدح "، ورتبهم على حروف المعجم، فأربى في هذا الجمع على الحافظ ابن عبد البر؛ لأنه ذكر منهم ما يقارب المائة والعشرين، أو ما يزيد على ذلك، والشيخ فتح الدين قارب المائتين، كذا قال الصلاح الصفدي، وقال: لا أعلم أحدًا حصل من الصحابة الذين مدحوا النبي ﷺ، هذا القدر، وقد كتبت هذا المصنف بخطي، وسمعت من لفظه ما يقارب نصفه، وأجازني البقية.
وأما شعراؤه الذين كانوا بصدد المناضلة عنه، والهجاء لكفار قريش، فإنهم ثلاثة: حسان بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن رواحة الأنصاري، وكعب بن مالك الأنصاري، وكان حسان يقبل بالهجو على أنسابهم، وعبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر، وكعب بن مالك يخوفهم الحرب، فكانوا لا يبالون قبل الإسلام بأهاجي ابن رواحة، ويألمون من أهاجي حسان، فلما دخل من دخل منهم الإسلام، وجد ألم أهاجي ابن رواحة أشد وأشق.
ومن أشهر الصحابة بالمدح له كعب بن زهير بن أبي سلمة السعدي، وقصيدته " بانت سعاد " مشهورة، وما من شاعر في الغالب جاء بعده، ومدح رسول الله ﷺ، إلا وقد نظم في وزنها ورويها، ولله در القاضي مُحيي الدين ابن عبد الظاهر، حيث يقول:
لقد قال كَعْبٌ في النبيِّ قصيدة ... وقُلنا عسى في مَدحِه نَتَشارَكُ
فإنْ شَمِلتْنا بالجوائزِ رَحْمَةٌ ... كرحمة كعبٍ فهو كعْبٌ مُباركُ
وهذا القدر من سيرته الشريفة ﷺ كافٍ في التبرك بذكره الشريف، وفي الدلالة على أنه ﷺ أفضل الخلق، وأشرف الخلق، وشريعته أفضل الشرائع، وأمته أكرمُ الأمم، وعلماؤها أكرمُ العلماء، وأما حصر فضائله ومعجزاته، وما خصه الله به في الدنيا والآخرة، وأعد له عنده فلا سبيل إليه، ولا يحوم طائر فكر عليه، ولا يعلمه إلا الله تعالى.
اللهم أدخلنا في شفاعته، وأمِتنا على مِلَّته، واحشُرْنا في زُمْره عُلماء أمته، ووفقنا إلى العمل بطاعتك، ولا تمكر بنا عند الخاتمة، فإنا متوسلون في ذلك به إليك، ومتوكلون في غفران الذنوب عليك، وإنك جواد كريم، رءوف رحيم، لا ترد من سألك، ولا تُخيب من قصدك، يا أرحم الراحمين.
ترجمة الإمام الأعظم
رحمه الله تعالى
هو إمام الأئمة، وسراج الأمة، وبحر العلوم والفضائل، ومنبع الكمالات والفواضل، عالم العراق، وفقيه الدنيا على الإطلاق، من أعجز من بعده عن لحاقه، وفات من عاصره في سياقه، ومن لا تنظر العيون مثله، ولا ينال مُجتهد كماله وفضله.
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، بظم الزاي وفتح الطاء، وهو المشهور، وقال ابن الشحنة، نقلًا عن شيخه مجد الدين الفيروزابادي، في " طبقات الحنفية ": إنه بفتح الزاي والطاء المهملة، مثل سَكْرَى. وكان زوطي مملوكًا لبني تيم الله بن ثعلبة.
واختلف في أصله فقيل: من كابل، وقيل: من بابل، وقيل: من نسا، وقيل: من ترمذ، وقيل: من الأنبار، وقيل غير ذلك.
قال السراج الهندي: ووجه التلفيق بين هذه الروايات أن يكون جده من كابل، ثم انتقل منها إلى نسا، ثم إلى ترمذ، أو ولد أبوه بترمذ، ونشأ بالأنبار، إلخ.
قال ابن الشحنة: وهذا التلفيق أصله لخطيب خوارزم، ونظر ذلك ببعض مشايخه، فقال: كابي المعالي الفضل بن سهل الإسفرايني، فإن اباه من أسفراين، وولد هو بمصر، ونشأ بحلب، ثم أقام ببغداد، ومات بها، ويقال له: المصري، الحلبي، البغدادي.
1 / 24