بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان عيسى ابن مريم ﵊، أعطاه الله تعالى إحياء الموتى، فما ذلك بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية، فقالت: لا تأكلني؛ فإني مسمومة.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه، فقال: (رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرضِ مِنَ الكَافِرينَ دَيَّارا)، ولو دَعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا، فلقد وطئ ظهرك، وأدمي وجهك، وكسرت رباعيتك، فأبيت أن تقول إلا خيرًا، فقلت: " الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمي فَإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ".
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد اتبعك في قلة سنك، وقصر عمرك، ما لم يتبع نُوحًا في كبر سنه، وطول عمره، فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لو لم تجلس إلا كفوًا ما جالستنا، ولو لم تنكح إلا كفوًا ما آكلتنا، لَبست الصوف، وركبت الحمار، ووضعت طعامك بالأرض، ولعقت أصابعك تواضعًا منك صلى الله عليك وسلم.
صفته ﷺ
كان ربعة، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون، مُشربًا حمرة، يبلغ شعره شحمة أذُنيه.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ، وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة.
رواه أبو داود، والترمذي.
وقالت أم هانئ، رضي الله تعالى عنها: قدم رسول الله ﷺ مكة، وله أربع غدائر.
روياه أيضًا.
كان سبط الشعر، في لحيته كثاثة، ومات ولم يبلغ الشيب رأسه ولحيته عشرين شعرة، ظاهر الوضاءة، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر.
وروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها وصفته، فقالت: كان والله كما قال شاعره حسان بن ثابت الأنصاري:
مَتى يَبْدُ في الدّاجي الْبَهيمِ جَبِينُه ... يَلُحْ مثلَ مِصْباحِ الدُّجَى المتوقِّدِ
فمَن كان أوْ مَن قد يَكونُ كأحمدٍ ... نِظامٌ لحقٍّ أوْ نَكَالٌ لِمُعْتَدِي
وروي عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إذا رأى النبي ﷺ يقول:
أمينٌ مُصطفىً بالخَيْرِ يَدعو ... كضَوْء البَدْرِ زايَلهُ الظلاَم
وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إذا رآه ينشد قول زهير في هرم بن سنان:
لو كنت من شيء سوى بشرٍ ... كُنت المضي لليلةِ البدرِ
أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، أقنى العرنين، سهل الخدين، أزج الحاجبين، أقرن، أدعج العين، في بياض عينيه عروق حمر رقاق، حسن الخلق، معتدله، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، دقيق المَسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سُرته شعر مُجرى كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، ششن الكف والقدم، ضليع الفم، أشنب، مُفلج الأسنان، بادنًا مُتماسكًا، سواء البطن والصدر، ضخم الكراديس، أنور المُتجرد، أشعر الذراعين والمنكبين، عريض الصدر، طويل الزند، رحب الراحة، سائل الأطراف، سبط القضيب، خمصان، بين كتفيه خاتم النبوة.
قال جابر بن سمرة: مثل بيضة الحمام يشبه جسده.
إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر، إذا التفت جميعًا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر.
وقال عند أم سليم، فعرق، فجاءت بقارورة، فجلت تسكب العرق فيها، فاستيقظ النبي ﷺ؛ فقال: يا " أم سليم، ما هذا الذي تصنعين؟ ".
قالت: هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وهو أطيب الطيب.
وفي وصف أم معبد له: وفي صوته صَهَل، وفي عنقه سطع، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البها، أحمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق.
وفي وصف هند بن أبي هالة: خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام.
وفي وصف عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أجود الناس كفًا، وأرحب الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس بذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبه، يقول ناعيته: لم أر قبله ولا بعده مثله، ﷺ.
شرح الغريب
مما في صفته ﷺ
الوضاءة: الحُسن والجمال.
1 / 17