Tabaqat Saniyya
الطبقات السنية في تراجم الحنفية
Genres
Biographies and Classes
*فأورد ابن فورجة هذه الحكاية: زعموا أن أبا العباس المبرد، ورد الدينور، زائرًا لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه، وقضى سلامه، قال له عيسى: أيها الشيخ ما الشاة المجثمة، التي نهى النبي ﷺ أكلها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن، مثل اللجبة.
فقال: هل من شاهد؟.
قال: نعم، قول الراجز:
لم يَبْقَ من آلِ السَّلِيط نَسَمَهْ ... إلا عُنَيْزٌ لَجْبَةٌ مُجَثَّمَه
فإذا بالحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل، قال له عيسى بن ماهان: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة، التي نهينا عن أكل لحمها؟.
فقال: هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف قفاها.
فقال: كيف تقول هذا، وهذا شيخ أهل العراق - يعني المبرد - قال: هي مثل اللجبة، وهي قليلة اللبن. وأنشد الشاهد.
فقال أبو حنيفة: أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ، أو قرأه، وإن كان هذا الشاهد إلا لساعته هذه.
فقال المبرد: صدق الشيخ أبو حنيفة؛ فإني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكري قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا أعرفه.
فاستحسن منه هذا الإقرار وترك البهت.
قال ابن فورجة: وأنا أحلف بالله العظيم، إن كان أبو الطيب قط سئل عن هذا البيت، فأجاب بهذا الجواب، الذي حكاه ابن جني، وإن كان إلا متزايدًا فيما يدعيه، عفا الله عنه، فالجهل والإقرار به أحسن.
ولأبي حنيفة من الكتب " كتاب ألباه "، " كتاب ما تلحن فيه العامة "، " كتاب الشعر، والشعراء "، " كتاب الفصاحة "، " كتاب الأنواء "، " كتاب حساب الدور "، " كتاب النخب في حساب الهند "، " كتاب الجبر والمقابلة "، " كتاب البلدان " كبير، " كتاب النبات " لم يصنف في معناه مثله، " كتاب الجمع والتفريق "، " كتاب الأخبار الطوال "، " كتاب الوصايا "، " كتاب نوادر الجبر "، " كتاب إصلاح المنطق "، " كتاب القبلة والزوال "، " كتاب الكسوف ".
قال أبو حيان التوحيدي: له " تفسير القرآن ".
توفي سنة إحدى وثمانين ومائتين. رحمه الله تعالى.
١٩٣ - أحمد بن روح الله
ابن سيدي ناصر الدين غياث الدين
ابن سراج الدين الجابري، الأنصاري
من ذرية جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله تعالى عنه الملك الباري.
الإمام العامل، والبارع الكامل.
قاضي العسكر المنصور بولاية أناطولي.
اشتغل، ودأب، وحصل، وأخذ العلم عن جماعة كثيرة، من أجلهم المولى العلامة محمد شاه، الآتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى، وكان معيدًا له، وملازمًا منه.
وصار مدرسًا بعدة مدارس، منها مدرسة بناها المرحوم محمد باشا، باسم صاحب الترجمة، وهي معروفة فيما بين قسطنطينية ومدينة أردنة، وهو أول من درس بها، ومنها إحدى الثمان، ومدرسة أيا صوفية، ومدرسة المرحومة والدة السلطان مراد خان أدام الله أيامه، بمدينة اشكدار، حميت عن البوار.
وألقى بالمدرسة المذكورة درسًا عامًا حضره غالب أفضل الديار الرومية وعلمائها، وتكلم في تفسير سورة الأنعام، على قوله تعالى: (وَقَالَوُا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) الآية، وكان درسًا حافلًا، لم يعهد في ذلك الزمان بالديار الرومية مثله، لأن المدرسين في بلادهم لا يفعلون ذلك، وإنما يجلس المدرس وحده في محل خال من الناس، ولا يدخل إليه إلا من يقرأ الدرس، وشركاؤه فيه، ولا يحضرهم أحد من غير تلامذة المدرس.
وجرى في ذلك الدرس العام، من الأبحاث الرائقة، والفوائد الفائقة، ما حفظته الوعاة، وتناقلته الرواة.
ثم خلع عليه يوم الدرس المذكور ثلاث خلع، بعد أن أرسلت إليه المرحومة والدة السلطان، نصره الله تعالى، ألف دينار لأجل ضيافة من يحضر الدرس المذكور، ومد لهم سماط، احتوى على نفائس الأطعمة، وأخذوا منه رعاية له نحو خمسين ملازمًا، وما وقع ذلك لأحد غيره.
ثم ولي قضاء الشام، ثم قضاء مدينة أردنة، ثم قضاء قسطنطينية، ثم ولي قضاء العسكر، في أواخر شهر رمضان المعظم قدره، سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، وأخذ يعامل أهل العلم وطلاب المناصب بالرفق، والمداراة، والإحسان، ويُقلد أعناق الرجال منن الإكرام والإفضال، غير أنهم لم يكونوا راضين عنه الرضاء التام، وقلما يحصل منهم ذلك في حق قاضٍ من القضاة؛ فإن رضاءهم غايةٌ لا تدرك.
1 / 105