ولد في ربيع الثاني سنة (1244) ونشأ في حجر والده الفهامة الشهير السيد محمد عابدين إلى أن ختم القرآن المجيد وحفظه بعض المتون، وكان يحضره في جنبه في دروسه ويدعو له ويتفرس فيه الخير، ولما قرأ في نهاية أمره «ثبته» الذي جمعه لشيخه الشيخ شاكر العقاد أحضر ابنه المترجم وأجازه مع الحاضرين إجازة عامة، وشابكه، وصافحه، ودعا له، ثم بعد وفاة والده المذكور سنة (1252) اجتهد في طلب العلم، فقرأ على مشايخ كثيرين، منهم الإمام النحرير الشيخ هاشم التاجي. وكان جل انتفاعه منه. واستجاز من مشايخ كثيرين دمشقيين ومصريين ومكيين وروميين، وبرع في الفقه، واشتهر، وشارك في بقية الفنون، وعلا شأنه، وصار مرجعا في الفروع الفقهية الحنفية، وصنف في ذلك عدة مصنفات، منها «قرة عيون الأخيار» تكملة حاشية والده «رد المحتار على الدر المختار» ومنها «معراج النجاح شرح نور الإيضاح» ومنها «منة الجليل لإسقاط ما على الذمة من كثير وقليل» ومنها «مثير الهمم الأبية فيما أدخلته العوام في اللغة العربية» وتصدر للإقراء في مدرسة التعديل وفي داره في محلة القنوات، وانتفع به كثير من متفقهة الحنفية. ولما وفد إلى دمشق الشام مهاجرا الشيخ محمد المهدي الخلوتي السابقة ترجمته أخذ المترجم عنه الطريقة الخلوتية، واشتغل بها كثيرا وعمل الرياضات والخلوات، واشتهر بالصلاح والفضل والزهد، وصارت تؤثر عنه أحوال عجيبة. ثم لما تولى إفتاء دمشق أمين أفندي الجندي ألح على المترجم أن يكون أمين الفتوى عنده وألزمه بذلك لما اشتهر من ورعه وصلاحه، فباشر أمانة الفتوى عنده إلى أن عزل المفتي المذكور. ثم تولى نيابة محكمة الباب 1 مدة فعظم صيته. ولما عزل المفتي المذكور وعين بعد عزله عضوا في مجلس الشورى في الآستانة سافر إليها وبصحبته المترجم، فاتفق أن صدرت الإرادة وقتئذ بعقد مجلس يسمى الجمعية العلمية لجمع مسائل فقهية في مذهب الحنفية يكون على موجبها جل الأحكام الشرعية، فكان ممن عين عضوا فيه المفتي المذكور، ثم عين عضوا فيه المترجم بسعي المفتي المذكور. ورتبت تلك الجمعية «كتاب المجلة» وحصل للمترجم المكافأة بالإحسانات العثمانية والرتب العلية، إلى أن وجهت عليه رتبة الحرمين، ثم عينه شيخ الإسلام قاضيا في طرابلس الشام، فتوجه إليها وباشر قضاءها 2 بسيرة حميدة وطريقة رشيدة، ولما عقد مجلس في دمشق يسمى الجمعية الخيرية جعل المترجم رئيسه.
وبالجملة فإنه كان من أجلاء الأعيان وفضلاء الزمان. وكان محببا للخاص والعام جميل الذكر بين الأنام، ولم يزل على مكانته السامية إلى أن توفي ضحوة الاثنين في (21) شوال سنة (1306) وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن في باب الصغير خلف ضريح والده والعلامة العلائي رحمهم الله تعالى.
***
Page 30