إن سر القوة في أبناء العقيدة القوة الاجتماعية هو أنهم جيش منظم، آمنوا برسالة رجل برز من الشعب؛ فما اشترط عليهم ولا اشترطوا عليه منطقة أو دينا أو طبقة.
وإنهم، حين يسيرون اليوم على طريق الحياة، لا يهمهم أين مكانهم في هذه الجبهة، وما هي رتبهم؛ لذلك بلغوا ذروة القوة، فلفظوا جانبا كل من أراد أن يندس في صفوفهم وحافزه الوحيد أن يتزعمهم.
وسيستمرون في النضال، وسيتكاثرون، وسينتصرون؛ لأن كل واحد منهم هو قائد وطنية.
إخبارية ...؟
اتخذ بعض صغار الموظفين في مختلف الدوائر، خلال العهد الماضي مهنة الدس والوشاية يتملقون بها رؤساءهم؛ فكل يوم أنباء عن الحزب ونشاطه ولوائح سوداء بأسماء من سيغتاله الحزب، هذا المقال ظهر على أثر إشاعة. ***
تقرير سري خطير يرفعه الموظف الأستاذ شمدص جهجاه إلى رئيس دائرته بخصوص نشاط حزب منحل:
سيدي!
حين تحركت شفتاكم الكريمتان بالأمر، أطعته حالا، وانطلقت أعد العدة للتجسس على هؤلاء الأوباش، المهووسين الخونة عمال الألمان والطليان؛ فرأيت أن أقوم بهذا الأمر منفردا ومتخفيا؛ لذلك لبست بنطلوني؛ لأنه لا يخفاكم أنه ليس من أصالة الرأي أن أقوم بأعمال الاستخبار من غير بنطلون، ولم أكتف بلبس البنطلون بل زررته، وحالا توجهت إلى موقف سيارات، فناداني سائق تاكسي عرفت فورا أنه قومي اجتماعي؛ لأنه ناداني بقوله «نعم يا أستاذ»، وفي غفلة منه فتحت خزان السيارة، وغرزت فيه أنفي ونشقت، وركبت الأوتوموبيل، فوضح لي أن هذا الشخص فدائي؛ لأن ما كان في خزان سيارته هو سائل متفجر يدعى بنزين، وعدا عن ذلك فقد كانت دواليب السيارة الأربعة مستديرة، ثم إن الشوفير كان يزمر عند كل كوع مما يدل على أنه كان يعطي إشارات لبعض المتآمرين. وقد لحظت أن أمامه مرآة تمكنه من رؤية ما وراءه، وحين خرجنا من بيروت تفجر السائق بأغنية ثورية حربية، مطلعها «هيهات يا بو الزلف»؛ فحالا أعلنت حالة الطوارئ، وقبعت في مقعدي، أترقب تطورات الموقف بدقة وحذر، وكان من الطبيعي أن أداهم مناطق الشبهة، فتوجهت حالا إلى الشوف، والمتن، والكورة، وطوقت جميع القرى دفعة واحدة، ويؤسفني أننا في الخريف، غير أني تمكنت أخيرا من رؤية ورقة تين واحدة اختبأت وراءها. فما إن جاء المساء حتى بدأت جموع المسلحين تزحف نحو القرى، وكل واحد حامل بارودة حربية من آخر طراز طويلة طويلة، وفي يسراه سلة قذائف جهنمية، وليس يخفى عليكم أنني من البسالة ما تعرفون، ولعلكم تذكرون أنني في السنة الفائتة، ليلة العيد، أطلقت مائتي رصاصة في ساحة البرج، لا أقول هذا على سبيل التبجح، بل لأثبت أن بطولتي أمر معترف به؛ لذلك وثبت على ولد صغير في يمينه البارودة الطويلة، وفي يسراه سلة المتفجرات، وفاجأته بسؤالي: «ماذا تحمل؟» فارتعب الولد وقال: «هذه سلة زيتون، وهذا مفراط.» فتأمل في هذه الجماعة كيف حذق أفرادها فن التضليل والإنكار. حينئذ فككت الحصار عن مناطق الشوف - المتن - الكورة مطمئنا إلى أن الحالة فيها لعنة تنذر بشر مستطير، وتوجهت إلى البقاع متفحصا الأمور في زحلة، بعلبك، الهرمل، راشيا، في وقت واحد؛ لأن الحالة تستدعي العمل السريع.
أما في زحلة فالجو مريب جدا ؛ لأنني ذهبت إلى وادي العرائش، وهو كما تعرفون موضوع التغني، وقد كان في الصيف الماضي يعج بالألوف، أما الآن فهو مهجور، ما هو السبب؟ هذا هو السؤال العظيم، لماذا أقفلت المقاهي، ولماذا انقطع الناس عن ارتياد «وادي العرائش» في زحلة! في الأمر ما يشغل البال. أما في جنوب البقاع فإن النشاط باد للعيان، والمعدات الحربية تنتقل وتهدر، وقد اقتحمت بما عرف عني من جرأة، أحد المعسكرات القومية الاجتماعية، وسألت القائد ماذا يفعل؟ فتظاهر بأنه يجهل العربية - والمعروف عن هذه الجماعة أنها معادية للعروبة - وتكلم بالفرنسية، مدعيا أنه يفتش عن الزيت (نفس المعدن الذي منه تصنع المتفجرات، التي ملأت خزان سيارة الشوفير القومي)، وأن بيده مأذونية من الحكومة اللبنانية؛ ففورا ونهائيا اعتقدت أنه كاذب، مثل ذلك الغلام الذي أراد أن يوهمني أن القنابل في السلة هي زيتون، والبارودة الحربية هي مفراط.
وفي بعلبك الحالة خطرة جدا، فقد بنى القوميون الاجتماعيون حصنا ضخما يعرف باسم «قلعة بعلبك» يا سيدي، أنا لا أبالغ إذا قلت لكم إن العواميد علوها 18 مترا، وعرض الحائط أربعة أمتار، حيطان هائلة، ودهاليز لها أول وليس لها آخر، والناس تأتي للفرجة على عينك يا تاجر. الصحيح أن الحكومة أسرفت في تدليل هؤلاء الخونة المهووسين عمال الألمان والطليان، ولأسباب لا تخفى لم أذهب إلى الهرمل، أنا شجاع إنما غيري أشجع مني، وأكثر مني، ولم يذهب إلى الهرمل، وأعتقد أنكم تعذرونني يا سيدي، ولكني فهمت شيئا يثير الشك، وهو أنه لم يقع خلال ال 24 ساعة الماضية ولا قتيل في الهرمل! هذا سؤال كبير يحرك الظنون، لماذا لم يقع قتيل واحد خلال 24 ساعة في الهرمل؟ وفيما أنا في هذه المناطق، كنت كذلك في طرابلس، حيث أتوقع انفجارا في أية لحظة كانت، والسبب هو أبيات شعر ألقاها شاعر حموي في حفلة تأبين، جاء فيها على ذكر الوحدة السورية، والرأي العام ساخط على الحكومة؛ لأن بدر الدين الحامد ذكر الوحدة السورية، ولم تثب السلطات لسحق القوميين الاجتماعيين، مع أن بعض الصحف الوطنية المخلصة حرضتها على مثل هذا العمل. ولا تعتقدوا يا سيدي أنني أهملت أمر بيروت؛ فإني قمت بهذه الجولة التفتيشية من غير أن أبرح العاصمة اللبنانية، وقد أوافيكم بتقرير مفصل، غير أنني أبشركم أنني توصلت بوسائلي البوليسية الخاصة إلى الحصول على بعض أعداد: «النهار» «كل شيء» «الأحد»، وأرجو أن تلاحظوا اللون الأحمر في هذه الجرائد، مما يثبت أن حلفا بين القوميين الاجتماعيين وبين الشيوعيين قد أعلن في الخفاء (عبارة سأشرحها فيما بعد)، والمهم أن تنقلوا إلى المسئولين أن الحالة خطرة وخطيرة؛ فليأخذوا التحفظات الضرورية، وأهمها البطش بهؤلاء الجماعة.
Unknown page