لا يرحمها راكب مطمئن، مالكًا كان أو غاصبًا.
المستبدُّ لا يستغني عن أن يستمجد بعض أفراد من ضعاف القلوب الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتّخذهم كأنموذج البائع الغشاش، على أنّه لا يستعملهم في شيء من مهامه، فيكونون لديه كمصحف في خمّارة أو سبحة في يد زنديق، وربما لا يستخدم أحيانًا بعضهم في بعض الشؤون تغليطًا لأذهان العامة في أنَّه لا يعتمد استخدام الأراذل والأسافل فقط، ولهذا يُقال: دولة الاستبداد دولة بُلهٍ وأوغاد.
المستبدُّ يجرِّب أحيانًا في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضًا اغترارًا منه بأنّه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشّكل الذي يريد، فيكونوا له أعوانًا خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثمَّ هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر إبعادهم أو ينكّل بهم. ولهذا لا يستقرّ عنه المستبدّ إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله.
وهنا أنبِّه فكر المطالعين إلى أنَّ هذه الفئة من العقلاء الأمناء بالجملة، الذين يذوقون عسيلة مجد الحكومة وينشطون لخدمة ونيل مجد النّبالة، ثمَّ يضرب على يدهم لمجرَّد أنَّ بين أضلعهم قبسة من الإيمان وفي أعينهم بارقة من الإنسانية، هي الفئة التي تتكهرب بعداوة الاستبداد وينادي أفرادها بالإصلاح. وهذا الانقلاب قد أعيا المستبدين؛ لأنهم لا يستغنون عن التجربة ولا يأمنون هذه المغبّة. ومن هنا نشأ اعتمادهم غالبًا على العريقين في خدمة الاستبداد، الوارثين من آبائهم وأجدادهم الأخلاق
1 / 63