5
ولن تعود مأخوذا بالأمور اليومية كما لو كانت غير متوقعة، ولن تعود معلقا أملك على هذا أو ذاك. (12-2) الله يرى عقولنا جميعا مجردة من غطائها المادي ومن قشورها وخبثها، لا صلة له إلا بفكرنا الذي صدر منه وتدفق إلى هذه الأبدان. إذا عودت نفسك أيضا أن تصنع نفس الصنع فسوف تضع عنك كثيرا من إصرك. إن من يصرف نظره عن الجسد البائس الذي يغلفه قلما يكرث نفسه بالنظر إلى الملبس أو المسكن أو الصيت، أو أي شيء من هذه الزخارف والمشاهد المسرحية. (12-3) ثلاثة هي مكوناتك؛ جسد، ونفس (حياة)، وعقل. أما الأولان فهما خاصتك بقدر ما هو من واجبك أن ترعاهما. وأما الثالث فهو خاصتك بتمام المعنى. فإذا ما نفضت عن نفسك؛ أي عن عقلك، كل ما يقوله الآخرون ويفعلونه، وكل ما قلته أنت وفعلته، كل ما ينغصك عن المستقبل، كل ما يجلبه عليك جسدك الذي يغلفك ونفسك الذي يصاحبك على غير اختيار منك، وكل ما يدوم في الدوامة الخارجية التي تحيط بنا،
6
بحيث يمكن لقوة عقلك، وقد تجاوزت الآن كل الروابط العرضية، أن توجد بذاتها، خالصة حرة تفعل ما هو عدل، وتريد ما يحدث لها وتقول ما هو صدق. أقول إذا نفضت عن عقلك الموجه ما يرين عليه من انطباعات الحس ومن هموم الآتي والماضي، جاعلا نفسك مثل كرة أمبدوقليس: «تامة الاستدارة مبتهجة في نعيم وحدتها.» لا تبتغي إلا أن تعيش ما هو حياتك الحقة - أي الحاضر - سيكون بوسعك أن تقضي ما تبقى لك من العمر في هدوء وسكينة وسلام مع روحك الحارس. (12-4) كم تعجبت من أن كل إنسان يحب نفسه أكثر من أي شخص آخر، بينما يضع رأيه في نفسه موضعا أدنى من رأي الآخرين فيه؛ فماذا لو ظهر له إله أو معلم حكيم وسأله: ألا يضمر في نفسه أي فكرة أو نية لا يود أن تذاع على الملأ في الحال؟ ما أحسبه يحتمل هذا الأمر يوما واحدا. حقا، إذن، إننا نبالي بما سيراه فينا الآخرون أكثر مما نراه في أنفسنا. (12-5) كيف يتأتى أن الآلهة بعد أن هيأت كل شيء بكل هذه الجودة وكل هذا الحب للبشر، يفوتها هذا الشيء الوحيد؛ وهو أن بعض الناس، وخيرة الناس جميعا، أولئك الذين اتصلوا بالألوهة أوثق اتصال، وبلغوا منها أقرب مكان خلال أعمال التقوى والشعائر، أنهم فور موتهم يلاقون فناء أبديا ولا يعود لهم أي وجود؟!
ولكن إذا كان هذا هو الحال فثق أنه لو كان ينبغي أن يكون غير هذا لكانت الآلهة فعلته؛ لأنه إذا صح لكان ممكنا أيضا، وإذا كان متفقا مع الطبيعة لكانت الطبيعة فعلته، إذن فحقيقة أنه ليس شيئا آخر (إن كانت هذه هي الحقيقة فعلا) يجب أن تطمئنك أنه ما كان ينبغي أن يكون غير هذا.
7
لعلك تلحظ بنفسك أنك بهذا التساؤل الجريء إنما تتنازع مع الآلهة، وما كنا لندخل في مثل هذا النزاع مع الآلهة لولا أنها غاية في الخير والعدل . وإذا كان ذلك كذلك فما كان لها أن تدع أي جانب من تدبيرها المحكم للعالم يفلت منها عن تفريط في العدل أو العقل.
8 (12-6) درب نفسك حتى على ما يئست من التمكن منه؛ فاليد اليسرى، لنقص الممارسة، خرقاء في أغلب المهام، غير أنها أشد إمساكا باللجام من اليد اليمنى؛ فلقد تدربت على ذلك. (12-7) تفكر كيف يكون حال المرء، جسدا وروحا، بعد أن يدركه الموت، وتأمل في قصر الحياة، وفي الهوة السحيقة للزمان الماضي والمستقبل، وفي هوان كل شيء مادي. (12-8) تأمل المبادئ الصورية (الصور) للأشياء مجردة من غطائها، تأمل الغايات الخفية للأفعال، تأمل: ما هو الألم؟ وما هي اللذة؟ وما هو الموت؟ وما هو المجد؟ ومن منا ليس هو نفسه السبب في كربه الشخصي، وليس قلقه من صنع يديه؟ تأمل: ليس ثمة امرؤ يعاق بغيره، وإنما كل شيء هو كما يجعله التفكير كذلك.
9 (12-9) في تطبيقك لمبادئك كن كالملاكم لا المجالد؛ فالمجالد
gladiator
Unknown page