2
ولست أعني بالسكينة إلا الحياة التي يحكمها العقل ويحسن قيادها.
فلتمنح نفسك دائما هذا الاستجمام، ولتجدد نفسك. ولتكن المبادئ العقلية التي سوف تعود إليها هناك وجيزة وأساسية وكافية لأن تذهب بكل ألمك في الحال وتعيدك إلى أمورك المستأنفة خاليا من السخط عليها أو التبرم بها.
فعلام أنت ساخط؟ على اللؤم البشري؟ تذكر أن الكائنات العاقلة قد خلقت من أجل بعضها البعض، وأن الصفح جزء من العدل، وأن الناس تفعل الشر عن غير عمد، واذكر كم من الناس قد قضوا حياتهم في عداوة وشك وبغضاء وحرب معلنة ، ثم لفتهم الأكفان وصاروا رمادا، وكف عن لجاجتك.
أم تراك ساخطا على ما قسم لك من نصيب في «الكل»؟ إذن فاذكر أنك مضطر إلى أن تختار؛ فإما عناية مدبرة وإما ذرات عمياء تلتقي كيفما اتفق وتفترق. واذكر البينات الكثيرة على أن العالم نوع من المجتمع السياسي وكف عن لجاجتك، أم لعلك ما تزال واقعا في قبضة الحاجات الجسدية؟ إذن فاذكر أن العقل ما إن يسل نفسه ويكتشف قواه الخاصة حتى ينفصل بذاته عن حركة النفس الجسدية سواء أكانت هذه الحركة هادئة أم عنيفة. واذكر أيضا كل ما سمعته وتبينته عن الألم واللذة، وكف عن لجاجتك.
أم لعلك إذن تتحرق إلى شيء من المجد، فاذكر كم هو سريع النسيان هذا العالم، واذكر الفجوة الزمنية السابقة للحاضر واللاحقة عليه، وكم هو فارغ ذلك الإطراء الذي تجده من الآخرين وكم هم متقلبون وعديمو الرأي أولئك الذين يتظاهرون بتأييدك، وكم هي ضيقة تلك المساحة التي يجول فيها مجدك. الأرض برمتها مجرد نقطة في الفضاء؛ فما أهون ذلك الركن الذي تقطنه وما أقلهم وأهونهم أولئك الذي ترتقب منهم ها هنا التمجيد والمدح.
لن يبقى سوى هذا؛ حصنك الصغير الذي بين جنبيك، فأو إليه ... حيث لا كرب، على الأقل، ولا وصب. كن سيد نفسك، وانظر إلى الأشياء كرجل، كإنسان، كمواطن، ككائن فان. وبين أسرع الأفكار تلبية وإسعافا لك اتجه إلى هاتين؛ الأولى: أن الأشياء لا يمكنها أن تمس العقل؛ إنها خارجية وخاملة، والاضطرابات لا تأتي إلا من رأيك الداخلي. والثانية: أن جميع تلك الأشياء التي تراها حولك ما تكاد تنظر إليها حتى تتغير ثم تزول. واعتبر دائما بكل ما شهدته بنفسك وقد تغير وزال، العالم هو التغير ... والحياة هي الرأي. (4-4) ما دام الجزء المفكر مشتركا بيننا، فالعقل مشترك أيضا، وهو ما يجعلنا كائنات عاقلة. ومشترك بيننا أيضا الآمر الذي يملي علينا ما نفعل وما لا نفعل. وإذا صح ذلك فبيننا أيضا قانون مشترك؛ ومن ثم فنحن مواطنون، نستظل معا بدستور واحد. إذا صح ذلك فالعالم كله كأنه دولة واحدة وإلا فكيف يمكن للمرء أن يقول إن الجنس البشري كله يشارك في دستور عام؟ من هناك إذن، من هذه المدينة؛ الدولة المشتركة، نستمد عقلنا نفسه، قانوننا، وإلا فمن أين نستمد؟ فكما أن الشطر الترابي مني مستمد من تراب ما، والمائي من عنصره، والنفس الهوائي من مصدر ما، والحار الناري من مصدره الخاص (فلا شيء يأتي من لا شيء، ولا يعود إلى لا شيء) كذلك العقل لديه أيضا مصدره. (4-5) الموت، شأنه شأن الميلاد، سر من أسرار الطبيعة؛ تضام، ثم انحلال، للعناصر نفسها. لا عار في الأمر بكل تأكيد؛ فلا شيء فيه مناقض لطبيعة الكائن العاقل، أو مناقض لمبدأ تكوينه.
3 (4-6) من الطبيعي، والضروري، أن تأتي مثل هذه الأفعال من مثل هؤلاء الناس، وإلا فهل تؤمل في التين ألا يعود ينتج أنفحته؟ تذكر على كل حال أن كليكما سوف يموت وشيكا جدا، ولن يعود يذكر بعد ذلك حتى اسماكما. (4-7) أزل الحكم، تكن قد أزلت فكرة «لقد تضررت». أزل فكرة «لقد تضررت» بنا يكون الضرر نفسه قد أزيل.
4 (4-8) ما لا يجعل المرء أسوأ لا يمكن أن يجعل حياته أسوأ؛ فليس بوسعه أن يضيره لا من داخل ولا من خارج. (4-9) كان من المفيد للطبيعة أن يكون (الشيء) هكذا؛ ومن ثم كان من الضروري. (4-10) «كل ما يحدث في العالم فهو حق.» تأمل هذا القول بعناية ولسوف تجد أنه حق. لست أعني بالحق هنا مسار الأسباب، بل أعني به «العدل» - وكأن قاضيا ما يحصص لكل شيء استحقاقه.
5
Unknown page