12
لا يحتاج إلى قسم ولاء ولا إلى شهادة أي إنسان. كن مرحا أيضا، وغنيا عن أي عون خارجي وعن أي سكينة تأتيك من الآخرين. واجبك أن تقوم بذاتك ولا تقوم بغيرك.
13 (3-6) إذا عثرت في حياة الإنسان على أي شيء يفضل العدالة والصدق والاعتدال والشجاعة - وباختصار شيء يفضل اكتفاء عقلك بذاته، ذلك الاكتفاء الذي يمكنك من العمل وفقا للعقل الصحيح ومن قبول ما ليس لك به يد من أحكام القضاء - أقول إذا أمكنك أن ترى شيئا أفضل من هذا فاتجه إليه بكل قلبك وتمتع بما وجدته أفضل. ولكن إذا لم يتبين لك ما يفضل الإله نفسه القابع في داخلك والذي يحكم جميع اندفاعاتك، ويمحص أفكارك، والذي نأى بنفسه، على حد قول سقراط، عن كل إملاءات الحواس، والذي يعنو للآلهة ويرعى بني الإنسان؛ إذا وجدت كل ما عداه ضئيلا حقيرا بالقياس إليه فلا تأبه لكل ما عداه؛ فأنت إذا ملت مرة إلى أي بديل آخر فسيكون من العسير والمعنت أن تستعيد الصدارة لذلك الخير الذي تملكه ولا تملك غيره؛ ذلك أن من الضلال أن يوضع أي شيء آخر، من مثل إطراء الناس أو السلطة أو الثروة أو اللذة، في منافسة مع الخير العقلي والاجتماعي. قد تروقك كل هذه الأشياء لحظة صغيرة، ولكنها قد تأخذ بزمامك فجأة وتحملك بعيدا؛ فعليك، مرة أخرى، ببساطة وحرية، أن تختار الأفضل وتتشبث به. - «ولكن الأفضل هو ما ينفع.» - إذا كان نافعا لك ككائن عاقل فاتخذه، ولكن إذا كان نافعا لك كمجرد حيوان فانبذه وتمسك بحكم العقل دون مكابرة. كن فقط على بينة من أنك قد أعملت الرأي على نحو صحيح. (3-7) لا تعده نافعا لك أي شيء سوف يضطرك يوما إلى أن تخلف وعدك، أو تتخلى عن وقارك، أو تكره أحدا، أو تشك، أو تلعن، أو ترائي، أو تشتهي أي شيء يتطلب التستر بالحيطان والحجب؛ فالرجل الذي أسلم قياده لعقله وألوهته وقدس علوها وامتيازها، لا يجعل من حياته مأساة، ولا يئن، ولا يلجأ إلى الوحدة ولا إلى الصحبة الزائدة. والأهم أنه سوف يعيش دون سعي إلى الموت ولا فرار منه، ولن يبالي على الإطلاق بما إذا كانت مدة إقامة روحه في جسده ستطول أو تقصر. وحتى إذا تعين عليه أن يرحل هنا والآن فسوف يرحل بسهولة كما لو كان يؤدي أي عمل آخر تقتضيه الأمانة واللياقة. إن شغله الوحيد طول حياته هو ألا يحيد بفكره عن أي شيء ينتمي إلى الكائن العاقل والاجتماعي. (3-8) في عقل من هذب وطهر لن تجد أثرا لصديد أو لقروح متهيجة أو لتهيج مؤلم تحت الجلد. إن أجله لا يوافيه قبل أن تكتمل حياته كشأن ممثل يغادر المسرح قبل أن ينتهي دوره وتتم المسرحية. وفضلا عن ذلك، فلن تجد فيه أي تذلل عبودي أو تصنع أو اعتماد على الآخرين أو انفصال عنهم، أو أي شيء يستجوب عليه أو أي شيء يتستر له. (3-9) احترم ملكة الرأي؛ فإليها يرجع كل شيء وعليها يتوقف ما إذا كان عقلك الموجه ما زال يضمر أي حكم غير متفق مع الطبيعة أو مع جبلة الكائن العاقل. وهذه الملكة هي التي تكفل لك التفكير المتأني، والألفة بالآخرين والطاعة للآلهة. (3-10) تمسك بهذه الأشياء المعدودة وأعرض عما سواها؛ اذكر أن كلا منا لا يعيش إلا اللحظة الحاضرة، وما أضألها في الزمن، وأن كل ما سواها من العمر هو إما ماض غير عائد وإما مستقبل غير معلوم؛ فما أقصر مدة المرء إذن في هذه الحياة، وما أصغر البقعة التي يقطنها على الأرض! وقصير أيضا مجده بعد وفاته مهما امتد،
14
فهو قائم على تعاقب قليل من البشر سرعان ما يموتون ولا يعودون يعرفون أنفسهم ناهيك بمن مات منذ زمن بعيد! (3-11) أضف هذا إلى القواعد المذكورة للتو؛ ضع لنفسك دائما تعريفا أو وصفا للشيء الذي يعرض لعقلك؛ بحيث يمكنك أن تتبين بوضوح أي صنف من الأشياء هو في جوهره وتجرده، وفي كليته وفي أجزائه، وبحيث يمكنك أن تفضي إلى نفسك باسمه الصحيح وأسماء تلك العناصر التي يتركب منها والتي سوف ينحل إليها.
15
لا شيء يؤدي بك إلى سمو العقل مثل قدرتك على أن تعرض كل عنصر من عناصر خبرتك في الحياة على الفحص المنهجي والصادق، وقدرتك على أن تنظر إلى الأشياء دائما بحيث يمكنك في الوقت نفسه أن تتأمل أي صنف من العوالم هذا وأي دور يسهم به هذا الشيء أو ذاك في هذا العالم، وأي قيمة يتحلى بها كل شيء بالنسبة إلى «الكل» وبالنسبة إلى الإنسان الذي هو مواطن هذه المدينة العليا التي تعد سائر المدن مجرد عائلات فيها.
سل نفسك إذن ماذا يكون هذا الشيء الذي يعرض لي الآن؟ وأي نوع من الفضائل يلزمني لمواجهته؛ اللطف مثلا أم الشجاعة أم الصدق أم الولاء أم البساطة أم الاكتفاء الذاتي ... إلخ. إذن علينا في كل حالة أن نقول: هذا جاء من الله، هذا من تصريف القدر وغزله، أو شيء أشبه بالمصادفة والاتفاق، وهذا من أحد إخوتي من بني الإنسان، قريبي وزميلي، وإن كان لا يعرف ما يليق بطبيعته ذاتها. غير أني أعرف؛ ومن ثم أعامله برفق وعدل، متبعا في ذلك القانون الطبيعي للأخوة، على أن أحاول برغم ذلك أن أعطيه ما يستحقه بالضبط في الأمور المحايدة أخلاقيا. (3-12) إذا ما انصرفت إلى المهمة التي بين يديك ، متبعا العقل الصحيح بكل العزم والجد وخلوص النية، دون أن تسمح لأي شيء أن يشتتك، بل حافظت على الجانب الإلهي فيك نقيا ثابتا كما لو كان مقدرا عليك أن تقبض حالا، إذا تمسكت بذلك غير طامع في شيء ولا متوجس من شيء، بل راضيا بما تفعله الآن وفقا للطبيعة وبصدق بطولي في كل ما تقول وتقصد، فلسوف تعيش سعيدا، ولم يملك أي إنسان أن يصدك عن ذلك. (3-13) تماما مثلما أن الأطباء دائما جاهزون بأدواتهم ومباضعهم لعلاج أي حالة طوارئ، ينبغي أن تكون لديك مبادؤك العقلية جاهزة لفهم الأمور الإلهية والإنسانية،
16
وأداء كل فعل، مهما كان ضئيلا، بوعي بالرابطة التي تربط الإلهي بالإنساني؛ فلن يتسنى لك أن تجيد أي عمل يتعلق بالإنسان دون أن يكون لديك أيضا مرجعية إلى الأمور الإلهية، والعكس بالعكس. (3-14) لا تتخبط ولا تخدع نفسك أكثر من ذلك؛ فما أحسبك سوف تقرأ مدوناتك، ولا تواريخك عن قدماء الإغريق والرومان، ولا مختاراتك من الأدب التي أعددتها لزمن شيخوختك. أسرع إذن إلى النهاية، وأقلع عن الآمال الزائفة. أنقذ نفسك إن كان لنفسك عندك أدنى اعتبار، قبل أن يفوت الأوان. (3-15) إنهم
Unknown page