idifferentia
إنها أشياء يمكن أن تكون خيرا ويمكن أن تكون شرا. المهم أن نعرف ما هي هذه الأشياء الوسط بالنسبة للرواقيين هي: الفقر والغنى، المرض والصحة، الحكم والملك ... إلخ.
وأهم شيء في هذه الأشياء الوسط الموت؛ فالموت بالنسبة للرواقيين هو كأي شيء في حياتنا لا هو خير في حد ذاته ولا هو شر في حد ذاته، بل إن الموت أحيانا يكون بابا للحرية والخلاص والسعادة الأبدية، فلماذا نخاف الموت؟ جبان ذلك الذي يقبل الحياة بأي ثمن، وحكيم رواقي بحق من يقدم على الموت، بل يطلبه إذا سدت كل السبل أمامه ولم يعد هناك من وسيلة ليحفظ كرامته وحريته ومبادئه . إذن لا استسلام وإنما إقدام على الموت. ويأخذ البعض على الرواقيين هذه الدعوة إلى الانتحار، وهذا سوء فهم وسوء تفسير؛ فهم أي الرواقيون لا يحبذون الانتحار لأسباب تافهة
ex frivolis causis
وإنما الانتحار هو الحل الأخير لحفظ كرامة الحكيم الرواقي ومبادئه. إنه بهذا الانتحار يقهر قاهره وينتصر عليه؛ فالموت في مثل هذه الحالة هو النصر المبين. ويقول سينيكا في ذلك: «ليس شقيا قط من تيسرت له سبل الموت.» ويقول أيضا إن الطبيعة نفسها تعلمنا. لقد جئنا جميعا للحياة من طريق واحد هو رحم الأم، أما الخروج من الحياة فله آلاف الطرق.
ومن اللافت للنظر في «تأملات» ماركوس أوريليوس أنها أشبه ما تكون بمفكرة دون فيها هذه التأملات، ربما وهو في خضم المعارك وفوق الجبال أو في أعماق الغابات، وربما كان أحيانا في قصره المنيف. المهم أنها تأملات مكتوبة بعيدا عن قصدية الدرس المتعمق أو الخطاب المنمق وما شابه. ومع ذلك فالمرء يدهش من كثرة الإشارات لعيون الكتب والمؤلفات في الأدب الإغريقي واللاتيني؛ فليس الأمر قاصرا على الرواقيين السابقين، بل يشمل كل المدارس الفلسفية والمذاهب الأدبية عند الإغريق والرومان. هذه التعددية في مصادر أوريليوس تدل دلالة واضحة على عمق ثقافته وغزارة اطلاعه.
أما الترجمة التي نقدم لها فتنم عن دارس مجتهد للفلسفة وذواقة للأدب. إنه مترجم يحب المادة التي يترجمها ويعيش المبادئ التي يشرحها؛ لذلك كان أسلوبه في الترجمة مستساغا، ومع أنه يترجم النص الإغريقي عن الإنجليزية فإنه لم يفقد الكثير من روح النص الإغريقي الأصلي الذي وضعته أمامي وأنا أراجع الترجمة.
لقد نجح المترجم في أن يصل إلى صيغة شائقة لأفكار الفيلسوف الرواقي. وأنا على يقين تام من أن القارئ العربي سيجد متعة فائقة، وفائدة ملموسة في قراءة هذا النص الذي يمكن أن نجد فيه العزاء الوافي عما نقاسيه في أيامنا هذه.
والله ولي التوفيق.
الجيزة، فبراير 2010
Unknown page