Taammul Yawm Bacd Yawm
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
Genres
لوحة «الاقتراب من البندقية» (1844) لجوزيف مالورد ويليام تيرنر (1775-1851)، وهي لوحة زيتية على القماش، بأبعاد 0,62 × 0,94 متر، المعرض الوطني للفنون، واشنطن.
في كل لحظة، يمكننا أن ندخل الجنة ... أو نخرج منها.
كريستيان بوبان
السعادة والوعي
كل شيء يبدأ بشعور الرضا؛ الشبع، الهدوء، الدفء، غياب أي تهديد. إنه من الرائع أن نمتلك شعورا كهذا. إنه شعور أساسي لكل الحيوانات والكائنات الحية، بما فيها الإنسان. يمكننا البقاء هنا، لكن هذا الشعور هو ليس بالضبط السعادة؛ فما نسميه سعادة هو شعور أبعد من ذلك.
إذا أدركت هذه اللحظات من الرفاهية، وقلت لنفسي: «إن ما أعيشه في هذه اللحظة هو فرصة، وأعجوبة، ونعمة.» فحينها سيحدث شيء آخر، عندها ستسمو الرفاهية لتصير سعادة. عندما أفتح روحي، وأتذوق بكامل إدراكي كل ما يحدث لي من أشياء جيدة وأنا كامل الحضور لها، فإن تأثير ذلك سيكون مضاعفا بشكل لا يقاس. إنه سيتجاوز كثيرا حالة إرضاء حاجاتي الجسدية والنفسية. وسيكون قادرا على إرضاء أو تخفيف تطلعاتي أو إرهاصاتي الفكرية؛ المعنى، الانتماء، الحب، السلام، الأبدية ...
دون وعي ذلك، لن توجد السعادة. لن يكون سوى ذكراها، كما في هذا البيت الشعري للشاعر والكاتب المشهور ريمون راديجيه: «أيتها السعادة، لم أعرفك يوما إلا عبر هذه الضجة التي تحدثينها وأنت تذهبين.» دون وعي الحاضر سنندم على حالات الفرح التي مضت والتي لم نعرف كيف نعيشها. إنها تلك السعادة التي تموت عند ولادتها؛ لأننا لم نعطها الحياة بوعينا لها. هذا ما يحدث لنا عندما يتدافع أمامنا الوجود، عندما يكون لدينا كثير جدا من الأشياء التي يجب أن نقوم بها لدرجة أننا لا نأخذ الوقت الكافي كي نفتح عيوننا على كل احتمالات السعادة التي تصادف طريقنا. وهذا ما يحدث لنا عندما نكون حزانى أو قلقين؛ إننا لا نسكن حينها الحاضر، وإنما تأخذ روحنا مكانا في قلق المستقبل أو ندم الماضي. أما السعادة، فلن نستطيع إلا أن نأملها أو نبكيها، لا أن نعيشها.
يستطيع التأمل بالوعي الكامل مساعدتنا على التذوق الكثيف «لفرص» السعادة العديدة في يومياتنا. فإذا قمنا باجتيازها وروحنا في مكان آخر (في أفكارنا ومشاريعنا ومشكلاتنا)، فإننا لن نرى ولن نشعر بأي شيء. أما إذا قمنا وبشكل متكرر بفتح وعينا على كل ما يحيط بنا، دون بحث حثيث، فإننا سنرى لحظات السعادة تلك. ودون أن نقصد، ستلمسنا نعمة تلك السعادة. وفي أغلب الأحيان ستصلنا السعادة على شكل قطع صغيرة، على هيئة لحظات خاطفة، في سياق يومياتنا؛ فهي تكون خفيفة الطابع، قصيرة المدة، غير كاملة ولكنها عديدة، مغيرة، مليئة بالحياة، ومتكررة. إنها لحظات مرشوشة بغبار السعادة؛ لحظات قصيرة من الفرح بكل بساطة.
الوعي والسعادة الهشة
إن وعينا الذي سيصنع السعادة، هو نفسه الذي سيخلق خوفنا من فقدها. عندما نكون فرحين، سنعي بشكل واضح أننا لن نبقى كذلك لفترة طويلة. لا يمكننا أن نمتلك السعادة إلا عبر فواصل ومن ثم فإنها لن تبقى مستمرة طوال فترة حياتنا، فهي ستظهر وتختفي. لا يكمن السر إذن في محاولة التمسك بها دون تركها، بالقلق أو الخوف أمام فكرة ذهابها القريب، وإنما في تذوقها، وقبول كسوفها المتكرر والاستعداد لعودتها كل مرة؛ لمرورها حتى لو كان سريعا.
Unknown page