155

Taʾwīl mukhtalif al-ḥadīth

تأويل مختلف الحديث

Publisher

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Edition

الطبعة الثانية

Publication Year

1419 AH

وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُظَنَّ أَنَّ الَّذِي نَالَ إِبِلَهُ مِنْ ذَوَاتِ الْعَاهَةِ، فَيَأْثَمَ.
قَالَ: وَلَيْسَ لِهَذَا -عِنْدِي- وَجْهٌ، لِأَنَّا نَجِدُ الَّذِي أَخْبَرْتُكَ بِهِ عَيَانًا.
وَأَمَّا الْجِنْسُ الْآخَرُ مِنَ الْعَدْوَى: فَهُوَ الطَّاعُونُ، يَنْزِلُ بِبَلَدٍ، فَيُخْرَجُ مِنْهُ، خَوْفًا مِنَ الْعَدْوَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ١ هَرَبَ مِنَ الطَّاعُونِ، فَرَكِبَ حِمَارًا، وَمَضَى بِأَهْلِهِ نَحْوَ سفوان٢ فَسمع حَادِيًا يَحْدُو خَلْفَهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
لَنْ يُسْبَقَ اللَّهُ عَلَى حِمَارِ ... وَلَا عَلَى ذِي مَيْعَةٍ٣ مُطَارِ
أَوْ يَأْتِيَ الْحَتْفُ عَلَى مِقْدَارِ ... قَدْ يُصْبِحُ اللَّهُ أَمَامَ السَّارِي
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا كَانَ بِالْبَلَدِ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهُ" ٤.
وَقَالَ أَيْضًا: "إِذَا كَانَ بِبَلَدٍ، فَلَا تُدْخُلُوهُ".
يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: لَا تَخْرُجُوا مِنَ الْبَلَدِ إِذَا كَانَ فِيهِ كَأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْفِرَارَ مَنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، يُنْجِيكُمْ مِنَ اللَّهِ.
وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ: "وَإِذَا كَانَ بِبَلَدٍ فَلَا تَدْخُلُوهُ" أَنَّ مُقَامَكُمْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي لَا طَاعُونَ فِيهِ، أَسْكَنُ لِأَنْفُسِكُمْ، وَأَطْيَبُ لِعَيْشِكُمْ.
وَمِنْ ذَلِكَ تُعْرَفُ الْمَرْأَةُ بِالشُّؤْمِ، أَوِ الدَّارُ، فَيَنَالُ الرَّجُلَ مَكْرُوهٌ، أَوْ جَائِحَةٌ، فَيَقُولُ: "أَعْدَتْنِي بِشُؤْمِهَا" فَهَذَا هُوَ الْعَدْوَى، الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا عَدْوَى ".

١ فِي الدمشقية: أَن رجلا.
٢ سفوان: مَوضِع بِالْبَصْرَةِ.
٣ ذِي ميعة: أَي ذِي جَرَيَان، كالفرس سريع الجريان.
٤ البُخَارِيّ: طب ٣٠، وَمُسلم: سَلام ٩٢، ٩٣، ٩٤، ٩٨، ١٠٠.

1 / 169