132

Taʾwīl mukhtalif al-ḥadīth

تأويل مختلف الحديث

Publisher

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Edition Number

الطبعة الثانية

Publication Year

1419 AH

فِي الْحَدِيثِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ أَمْثَالَ الذَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَنَّ فِي تِلْكَ الذُّرِّيَّةِ الْأَبْنَاءَ، وَأَبْنَاءَ الْأَبْنَاءِ، وَأَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَإِذَا أَخَذَ مِنْ جَمِيعِ أُولَئِكَ الْعَهْدَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَقَدْ أَخَذَ مِنْ بَنِي آدَمَ جَمِيعًا، مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ ١ فَجَعَلَ قَوْلَهُ لِلْمَلَائِكَةِ: "اسجدوا لآدَم" بعد "خَلَقْنَاكُمْ" و"صورناكم".
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى "خَلَقْنَاكُمْ" وَ"صَوَّرْنَاكُمْ" خَلَقْنَا آدَمَ، وَصَوَّرْنَاهُ، ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ.
وَجَازَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حِينَ خَلَقَ آدَمَ، خَلَقَنَا فِي صُلْبِهِ، وَهَيَّأَنَا كَيْفَ شَاءَ.
فَجَعَلَ خَلْقَهُ لِآدَمَ، خَلْقَهُ لَنَا، إِذْ كُنَّا مِنْهُ.
وَمِثْلُ هَذَا، مِثْلُ رَجُلٍ أَعْطَيْتَهُ مِنَ الشَّاءِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى، وقلتَ لَهُ: قَدْ وَهَبْتُ لَكَ شَاءً كَثِيرًا -تُرِيدُ أَنِّي وَهَبْتُ لَكَ بِهِبَتِي هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ، مِنَ النِّتَاجِ، شَاءً كَثِيرًا.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهَبَ لِدُكَيْنٍ الرَّاجِزِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى بِهِ دُكَيْنٌ عِدَّةً مِنَ الْإِبِلِ، فَرَمَى اللَّهُ تَعَالَى فِي أَذْنَابِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَنَمَتْ وَكَثُرَتْ.
فَكَانَ دُكَيْنٌ يَقُولُ: هَذِهِ مَنَائِحُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَلَمْ تَكُنْ كُلُّهَا عَطَاءَهُ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ، فَنَسَبَهَا إِلَيْهِ؛ إِذْ كَانَتْ نَتَائِجَ مَا وَهَبَ لَهُ.
وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا، قَوْلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ:
مِن قَبلِها طِبتَ فِي الظِلالِ وَفي ... مُستَودَعٍ حَيثُ يُخصَفُ الوَرَقُ

١ الْآيَة ١١ من سُورَة الْأَعْرَاف.

1 / 146