Ṣuwar min ḥayāt al-ṣaḥāba
صور من حياة الصحابة
Publisher
دار الأدب الاسلامي
Edition Number
الأولى
Genres
فَقَالَ: اكْتُبْ ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ﴾(١).
فَزَالَ الاسْتِثْنَاءُ الَّذِي تَمَنَّاهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ...
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعْفَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَمْثَالَهُ مِنَ الجِهَادِ، فَقَدْ أَبَتْ نَفْسُهُ الطَّمُوحُ أَنْ يَقْعُدَ مَعَ القَاعِدِينَ، وَعَقَدَ العَزْمَ عَلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ...
ذَلِكَ لِأَنَّ النُّفُوسَ الكَبِيرَةَ لَا تَقْنَعُ إِلَّا بِكِبَارِ الأُمُورِ.
فَحَرَصَ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى أَلَّا تَفُوتَهُ غَزْوَةٌ، وَحَدَّدَ لِنَفْسِهِ وَظِيفَتَهَا فِي سَاحَاتِ القِتَالِ، فَكَانَ يَقُولُ: أَقِيمُونِي(٢) بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَحَمِّلُونِي اللِّوَاءَ أَحْمِلُهُ لَكُمْ وَأَحْفَظُهُ ...
فَإِنِّي أَعْمَى لَا أَسْتَطِيعُ الفِرَارَ ...
* * *
وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِلْهِجْرَةِ عَقَدَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ العَزْمَ عَلَى أَنْ يَخُوضَ مَعَ ((الفُرْسِ)) مَعْرَكَةً فَاصِلَةً تُدِيلُ(٣) دَوْلَتَهُمْ، وَتُزِيلُ مُلْكَهُمْ، وَتَفْتَحُ الطَّرِيقَ أَمَامَ جُيُوشِ المُسْلِمِينَ؛ فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ يَقُولُ:
لَا تَدَعُوا أَحَداً لَهُ سِلَاحٌ، أَوْ فَرَسٌ، أَوْ نَجْدَةٌ، أَوْ رَأْيٌ؛ إِلَّا اخْتَبَرْتُمُوهُ ثُمَّ وَجَّهْتُوهُ إِلَيَّ، وَالعَجَلَ العَجَلَ.
وَطَفِقَتْ جُمُوعُ المُسْلِمِينَ تُلَبِّي نِدَاءَ الفَارُوقِ، وَتَنْهَالُ عَلَى المَدِينَةِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ(٤)، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ هَؤُلَاءِ المُجَاهِدِ المَكْفُوفِ البَصَرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ.
(١) ﴿لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ سورة النساء: آية ٩٥.
(٢) أقيموني بين الصفين: أوقفوني بينهما.
(٣) تديل دولتهم: تقلب دولتهم.
(٤) من كل حدب وصوب: من كل ناحية ..
156