ومن ثم ترى أن الفرق عند سقراط الذي نشأ عن طريقة إحساسه بالخير وبالآلهة بدأ يطفو على السطح بوسائل صغيرة في طفولته، ووسائل أكبر منها فيما بعد، وأخذ الناس بمرور الزمن يحسون الفرق إحساسا قويا، ويحبونه أو يمقتونه من أجل ذلك، ولكن هذا الفارق كان لا يزال كامنا عنده في سني صباه حينما كان يتعلم مهنته مع غيره من الصبية ، ولم يتوقع أحد من ابن النحات شيئا غير عادي.
الفصل الرابع
المسير الطويل
غربت الشمس خلف الجبال منذ نصف ساعة، وأخذ الظلام يزداد حلكة دقيقة بعد أخرى على المعسكر في الممر الأجوف، وتناول الجند عشاءهم حول النيران، وجاء الحطابون بآخر حمولة من الحطب في ذلك المساء، وخلف النار المتوهجة - قريبا من حافة الغابة - كنت تستطيع أن تستمع إلى تذمر حراس الفترة الأولى، وكان القائد إندوسيديس في ظنهم صارما في فرضه الحراسة الشديدة ذلك المساء، فهم على مسيرة أقل من يومين من أثينا وفوق أرض ميغارا الصديقة، وميغارا كأثينا تقيم فيها حامية أثينية.
وكانت تدور في رأس سقراط هذه الأفكار عينها وهو يستلقي على ردائه إلى جوار النار مع أقريطون وملسياس وجلوكن وأرستون ورفاقه في المخيم، وكانت أول حملة يقوم بها منذ أيام التدريب، وما زال يحس إحساس من يلعب دور الجندية.
ووجه سؤالا إلى أقريطون قائلا: «هل تحسب أن هناك ما يدعو إلى ذلك كله؟ إن الشغب الذي أثارته يوبيا في الشمال لا يكفي وحده سببا لإرسالنا إلى الغرب خلف ميغارا إلى هذا الجحر الجبلي المنكود، وددت لو أن بركليز قد أخذ قبيلتنا معه إلى يوبيا، إذن لاستطعنا أن نقاتل وأن نبلغ بالأمر غايته، إن القائد أندوسيديس قد استقر في هذا المكان كأنه يتوقع أن يلبث هنا شهرا.»
وتمطى أقريطون واسترخى إلى جوار النار وخاطب الآخرين قائلا: «انظروا إلى سقراط عاشق المدينة، لم يغب عن أثينا سوى خمسة أيام حتى جن بالعودة إليها، أما أنا فلست آبه قط، وكنت أزمع أن أهبط إلى المزرعة هذا الأسبوع لكي أعد الكروم للصيف، ولكن الملاحظ سوف يؤدي هذه المهمة خير الأداء، ويبدو أن الصيد سيكون حسنا فوق هذه التلال، هل رأيتم الغزال الذي جاء به ليسكليز إلى خيمته بالأمس؟»
وقال ملسياس: «إنكم لا تعرفون الإسبرطيين قط، إنني لا أستبعد أن يتسللوا خلال هذه الممرات لكي يضربوا أثينا في غيبة بركليز، هذا ما فكر فيه قومنا في المجلس.»
قال سقراط: «هذا إذا كان القوم يفكرون في المجلس.» وضحك الجميع، وطلب الاستماع إلى النكات القديمة في ذلك المساء وبالجو دخان الحطب ورائحة العشاء، وقمر الربيع يعلو في السماء، ودائرة التلال السوداء تجتذب الجماعة إلى الالتفاف سويا حول النار.
وقال أقريطون مفكرا: «انقضت ست سنوات منذ دعيت جماعتنا للتدريب، وكنا آنذاك ثمانية عشر، أفتذكر يا سقراط؟»
Unknown page