فسأله سقراط: «ولكن لماذا يكون جيدا يا ماوس؟»
فقال ماوس مشيرا مرة أخرى حتى حسبته قد نسي: «انظر إلى تلك الجرة، إنها جرة جيدة، إنها جيدة لسبب ما، إنها جيدة في انصبابها، ولو أنك زدت قليلا من تجويف حافتها لانسكب منها النبيذ، ولو فلطحت جوانبها أكثر من ذلك قليلا لسهل سقوطها، وعندئذ تكون جرة رديئة، ولا يسميها من يعرف جرة جميلة، وفي الحق أن من رأيي أنها إذا لم تؤد الغرض الذي قصد منها شق علينا أن نطلق عليها اسم الجرة إطلاقا، إنها مجرد كتلة من الطين.»
فقال سقراط متثاقلا: «إذن لا بد أن تكون الجودة في الأشياء هي التي تجعلها جميلة ونافعة، لا بد أن تكون جودتها هي التي تجعلها أي شيء إطلاقا.»
فأومأ ماوس رأسه بالإيجاب وأضاف قائلا: «هذا ما يبدو لي كذلك، وإني لأحسب أن كل من يصنع الجرار يجب أن يجيد صنعها.»
فسأله سقراط: «ولماذا لا يفعلون؟»
وأجاب ماوس : «إنهم لا يعرفون الطريقة، والحق أنهم لا يعرفون نموذج الجرة الجيدة، الجرة الحقيقية.»
وقال سقراط: «أجل، وبالطبع إنهم ليحبون أن يحاكوا النموذج لو أنهم حقا عرفوه، ولكن من ذا الذي صنع النموذج يا ماوس؟» - «لست أنا، وليس أبي، لقد استغرق زمنا طويلا، وما زلنا - في الواقع - ندخل عليه تعديلات صغيرة، وربما لم يصنع قط النموذج الحقيقي، إنه دائما في طريق الكشف، ولكنه قد وجد فعلا على صورة ما.»
فسأله سقراط: «وإذن فكيف تكشف عنه؟ هذا ما أريد أن أعرفه يا ماوس، كيف يكون ذلك؟»
وكان هذا آخر سؤال، وقد تطلب من الشيخ العجوز زمنا طويلا لكي يجيب عنه، وفي نهاية الأمر قال: «أشك أنني أستطيع أن أخبرك بذلك يا سقراط، ولكن ينبغي لك أولا أن تعرف الجرار، ولا يكفي أن تعرف شكلها، كما يشاهدها أي زائر للمصنع، ينبغي لك أن تعرف ماذا بها مما يجعلها جرارا جيدة، جرارا حقيقية، تؤدي ما يجب للجرة أن تؤديه، المعرفة هامة جدا يا سقراط.»
وكان الحوار في ذاك المساء بمصنع ماوس كمباراة الكرة، رمي ومتابعة، إلى الخلف وإلى الأمام، وأحسست قرب النهاية كأن المباراة فوق مستواي، وإن كنت قد بدأت من ذلك الحين أحسن فهمها، وربما كان الأمر فوق مستوى سقراط نفسه قليلا في ذلك الوقت، ولم يكن ماوس سوى صانع فخار يتحدث عن الأواني الفخارية، فإن ذكر شيئا عن الجودة على اعتبار أنها نموذج يبحث عنه، فإنه لم يذكره إلا عرضا، بيد أني ما زلت أعتقد أن هذا الحديث مع ماوس كان بداية لشيء هام بالنسبة لسقراط، بداية - على الأقل - كأية بداية أخرى يحتمل أن تصادفك.
Unknown page