ودخلنا معا بعد ذلك غرفة الملابس، وذراعانا متشابكتان، وكلانا تشمله السعادة الكاملة، وقال سقراط: «مصارعة جميلة يا أقريطون.» وأخذ يكرر هذه العبارة، وهي كلمات قد تصدر عن أي إنسان، وإن يكن حملها من المعني أكثر من ذلك، ثم وقف ونظر إلي، وصمت لأني أدركت أنه كان يفكر في أمر ما.
وبعد لحظة قال لي: «أجل جميلة يا أقريطون، وكان الصباح جميلا كذلك، هل تذكر أخيل؟ كان الأمر مختلفا في ذلك الحين، ولكنه جميل أيضا، إني لأعجب ...» ثم شرع يفكر ثانية حتى نبهته فأقلع عن التفكير، ثم انصرفنا معا للتدريب.
ولم أفهم حينئذ ما كان يدور بخلده، بل ولم أعجب له، حتى كان ذات مساء بعد ذلك في نفس الأسبوع وبينما نحن جلوس بمصنع ماوس ، ولم يكن ماوس هذا إلا صانع فخار، أجنبي المولد، ولكنه كان ذائع الصيت في أثينا في تلك الأيام لإتقانه صنع الأواني، وكان فظا مع الناس، ولم يسبق لي قبل اليوم أن اقتربت من بابه إلى هذا الحد، بيد أن سقراط قد تعرف إليه بطريقة ما، وصحبني ذلك المساء لكي نراقبه.
وعندما دخلنا المصنع وجدنا ماوس قد شرع في صناعة إناء جديد على عجلته، فأشار إلي سقراط أن ألزم الصمت، وجلسنا على الأرض قريبا منه وبعيدا عن الطريق، ولست أدري إن كنتم شاهدتم من قبل خبيرا بصناعة الفخار وهو يقوم بأداء عمله، فإن كنتم قد شاهدتموه، فستدركون لماذا لم يدركنا ملل عندما جلسنا لديه نراقبه.
كانت على عجلته كتلة ضخمة من الصلصال، وظل فترة طويلة كأنه لا يفعل شيئا إلا أن يلعب بها، دافعا بها إلى أعلى وإلى أسفل بين يديه، بينما احتفظ طفل من الرقيق بالعجلة دائرة، وبدا كأنه سيبقى على ذلك طيلة المساء، ولكن الموقف تغير فجأة، وإذا بماوس يقلب يديه، ويدفع بإبهاميه إلى وسط الصلصال ويقبض ويرفع حتى تشكل الإناء بشكل ما.
ارتفع الإناء من جذوره كأنه مادة حية، وإن المرء ليحسب من غير شك أن به حياة، ولكن الحياة لم تكن بطبيعة الحال سوى الخطة التي دبرها ماوس في رأسه، وإنك لتراقبه ويصيبك شيء من الدوار، وإنك لتستطيع أن تشهد الخطة وهي تنطلق من ماوس، ومن بين يديه إلى الصلصال، والخطة تخلق من الصلصال شيئا، إن الصلصال لم يكن من قبل شيئا، ولكنه الآن إناء.
ونظرت إلى سقراط، وعرفت أن أمره الآن مثل حاله عند خطاب أخيل وفي المصارعة، وأحسسنا ذلك معا، وبعد برهة أوقف ماوس العجلة لكي يقيس شيئا ما، ووجه إليه سقراط هذا السؤال: إن هذا لجميل يا ماوس، وكان جميلا وهو يتكون، ولكن ما هذا الشيء الذي نسميه بالجميل يا ماوس؟ وما معناه؟
قال ماوس وقد بدت عليه الحيرة لحظة، ولمس طرف الإناء الذي كان يصنعه: «جميل؟ عجبا! إنه مثل هذا فيما أحسب، ومثل ذاك الذي تراه، وليس الذي شهدتني أصنعه بالأمس، لقد أفسدته وإن كان أكثر الناس لا يعلمون.»
ووضع سقراط يده على الإناء كذلك لكي يلمس استدارته، وكان جليا أنه لم يكن راضيا. - كلا يا ماوس، ليس الأمر كذلك! ذلك ما يفعله الناس دائما، إنهم يشيرون إلى الأشياء، يشيرون إليها ويقولون: «هذا جميل، وذاك جميل.» والأشياء كلها على خلاف، إناء جميل ومصارعة جميلة وشجاعة جميلة، كل هذه أمور مختلفة، ولكن ماذا عسى أن يكون بينهما من تشابه؟ لا بد أن يكون هناك تشابه ما، وليس الأمر مجرد أن يكون هذا جميل وذاك جميل، وإنما لا بد أن يكون هناك «الجميل» يا ماوس، هذا ما كنت أفكر فيه، وأنت تصنع الأشياء الجميلة، فلا بد أن تكون على علم.
وعرفت عندئذ ماذا يعني، وإن كنت لم أفكر من قبل قط في مثل ذلك، وأدرك ماوس الأمر كذلك، ولكنه لم يبادر بالجواب، وأخيرا قال: «إنني لا أعرف شيئا عن «الجميل» يا سقراط، ولست أعرف سوى الأواني الجيدة، والإناء الجيد عندي إناء جميل.»
Unknown page