Sunna
السنة
Investigator
سالم أحمد السلفي
Publisher
مؤسسة الكتب الثقافية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٨
Publisher Location
بيروت
٣٩١ - حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، أَنْبَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يَرِثْ أَبَا طَالِبٍ وَإِنَّمَا وَرِثَهُ عَقِيلٌ، وَطَالِبٌ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنَ الشِّعْبِ
٣٩٢ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَنْبَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ ﷺ قَالَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، قَالَ: وَوَرَّثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَقِيلًا وَطَالِبًا مِنْ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يُوَرِّثْ عَلِيًّا، وَلَا جَعْفَرًا، ٣٩٣ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ، وَقَالَ: فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنَ الشِّعْبِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ هَؤُلَاءِ: فَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لَمْ تَزَلْ مُنْقَطِعَةً عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَاتِ الْمُنْزَلَاتِ فِي الْمَوَارِيثِ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهَا عَامًّا فِي التِّلَاوَةِ، إِنَّمَا هِيَ خَاصٌّ فِي الْمَعْنَى، الْمُرَادُ بِهَا الْأَحْرَارُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَاتِلُ عَمْدٍ لِلْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ ٣٩٤ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَاحْتَجَّ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْسَخْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِهِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ بِأَنْ قَالُوا: جَعَلَ اللَّهُ كِتَابَهُ الْمُهَيْمِنَ الْمُصَدَّقَ الشَّاهِدَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ كُتُبِهِ وَالنَّاسِخَ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ خَاتَمَ الْكُتُبِ فَأَمَرَ أَنْ يُعْتَصَمَ بِحَبْلِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ قَدْ نَسَخَ بَعْضَهُ وَبَدَّلَ حُكْمَهُ؟ قَالُوا: وَأَخْبَرَنَا رَبُّنَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَنُورٌ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ مُبَدَّلًا بِالسُّنَّةِ، لَكَانَ بَعْضُهُ عَمَاءً لِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَكَانَ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا أَقَرُّوا أَحْكَامَهُ أَنْ لَا يَحْكُمُوا بِهَا حَتَّى يَطْلُبُوا الْعِلْمَ فِي السُّنَّةِ، هَلْ بَدَّلَتْ بَعْضَ أَحْكَامِهِ أَمْ لَمْ تُبَدِّلْهُ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ شِفَاءً لِلْقُلُوبِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ قَدْ نَسَخَتْ بَعْضَ أَحْكَامِهِ لَكَانَ بَعْضُ تَحْرِيمِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ حَلَالًا، وَبَعْضُ تَحْلِيلِهِ فِي كِتَابِهِ حَرَامًا وَلَا ⦗١٠٧⦘ يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ حُجَّةٌ بِالْقُرْآنِ حَتَّى يَعْلَمَ جَمِيعَ السُّنَّةِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بِالسُّنَّةِ، قَالُوا: فَمَا أَحَلَّ النَّبِيُّ ﷺ بِسُنَّتِهِ، وَلَا حَرَّمَ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ إِمَّا نَصًّا، وَإِمَّا بِمَا أَوْجَبَهُ مِنْ طَاعَتِهِ، وَكَانَ إِجْمَاعُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ أُصُولَ الْعِلْمِ وَالْأَحْكَامِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمِنْهُ بَيِّنٌ مَفْهُومٌ فِي تِلَاوَتِهِ، وَمِنْهُ مُسْتَنْبَطٌ بِالْبَحْثِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ عَنِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ نَاسِخَةً لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ لَمَا حَلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَبِّهَ حَادِثَةً بِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِهِ حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ الْأَصْلَ نُسِخَ بِغَيْرِهِ، أَمْ لَا، فَمَا زَالُوا يُعَظِّمُونَ شَأْنَهُ وَيَأْمُرُونَ بَاتِّبَاعِهِ وَلَا يَأْمُرُونَ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ، وَلَقَدْ رَأَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ مِصْدَاقَ كَثِيرٍ مِمَّا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي كِتَابِ اللَّهِ يُؤَكِّدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَنَّهَا لَا تُبَدِّلُ مَا فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ تُبَدِّلُ مَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ طَلَبُ مِصْدَاقِهَا فِيهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُطْلَبَ مِصْدَاقُهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَنَا رَبُّنَا أَنَّهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ جُمَلَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَلَمْ يَبْعَثْهُ لِيُبْطِلَ بَعْضَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُبَدِّلَهُ وَيُحَوِّلَهُ بِقَوْلِهِ، فَاللَّهُ يَنْسَخُ قَوْلًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَنْسَخُ قَوْلَهُ بِقَوْلِ نَبِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فَرَائِضَهُ بِكَلَامِهِ وَأَجْمَلَ كَثِيرًا مِنْهَا وَأَمَرَ نَبِيَّهُ بِتَفْسِيرِ مَا أَجْمَلَ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ الْمُبَيِّنَ لَهُمْ ذَلِكَ عَنْ رَبِّهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ أَنْ يُبَدِّلَ حُكْمَ كِتَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ وَقَطَعَ بِهِ عُذْرَهُمْ، وَلَوْ كَانَ بَدَّلَ بَعْضَ أَحْكَامِهِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ لَتَحَيَّرَ الْعِبَادُ فِيهِ، أَمَّا عَالِمُهُمْ وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ عَامَّةَ السُّنَنِ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ لَمْ يَسْمَعْهُ قَدْ بَدَّلَ النَّبِيُّ ﷺ بِهِ بَعْضَ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي الَّذِي قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ نَسَخَتْ بَعْضَ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَمْ يُقِرَّ اللَّهُ فِيهِ حُكْمًا إِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ بَدَّلَهُ وَنَسَخَهُ بِحَدِيثٍ قَدْ وَرِثَهُ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ فَتَسْقُطُ حُجَّةُ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ عَنْ عِبَادِهِ ٣٩٥ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَاحْتَجَّ الَّذِينَ رَأَوْا أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَسَخَ بَعْضَ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ فَقَالُوا: الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ أَمْرَانِ فَرَضَ اللَّهُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ بِهِمَا عَلَى خَلْقِهِ، وَقَرَنَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، فَمَحَلُّهُمَا فِي التَّصْدِيقِ بِهِمَا وَاحِدٌ كِلَاهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهَ ﷿ يَحْكِي عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ أَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ لِذُرِّيَّتِهِ فَقَالَ: ﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: ١٢٩]، وَقَالَ ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢] ⦗١٠٨⦘ وَقَالَ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ١٥١]، وَقَالَ: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: ١٦٤]، وَقَالَ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمْ﴾ [النساء: ١١٣] وَقَالَ: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: ٣٤] ٣٩٦ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْكِتَابَ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ، فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْقُرْآنَ وَأَتْبَعَهُ الْحِكْمَةَ وَذَكَرَ مَنَّهُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَعْلِيمِهِمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فَلَمْ يَجُزْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، الْحِكْمَةُ هَا هُنَا إِلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَحَتَّمَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِقَوْلٍ: هُوَ فَرْضٌ إِلَّا لِكِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِهِ ﷺ وَبِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْإِيمَانَ بِرَسُولِهِ مَقْرُونَا بِالْإِيمَانِ بِهِ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُبَيِّنَةٌ عَنِ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ دَلِيلَهُ عَلَى خَاصِّهِ وَعَامِّهِ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرَ رَسُولِهِ ﷺ
٣٩٢ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَنْبَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ ﷺ قَالَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، قَالَ: وَوَرَّثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَقِيلًا وَطَالِبًا مِنْ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يُوَرِّثْ عَلِيًّا، وَلَا جَعْفَرًا، ٣٩٣ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ، وَقَالَ: فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنَ الشِّعْبِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ هَؤُلَاءِ: فَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لَمْ تَزَلْ مُنْقَطِعَةً عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَاتِ الْمُنْزَلَاتِ فِي الْمَوَارِيثِ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهَا عَامًّا فِي التِّلَاوَةِ، إِنَّمَا هِيَ خَاصٌّ فِي الْمَعْنَى، الْمُرَادُ بِهَا الْأَحْرَارُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَاتِلُ عَمْدٍ لِلْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ ٣٩٤ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَاحْتَجَّ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْسَخْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِهِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ بِأَنْ قَالُوا: جَعَلَ اللَّهُ كِتَابَهُ الْمُهَيْمِنَ الْمُصَدَّقَ الشَّاهِدَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ كُتُبِهِ وَالنَّاسِخَ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ خَاتَمَ الْكُتُبِ فَأَمَرَ أَنْ يُعْتَصَمَ بِحَبْلِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ قَدْ نَسَخَ بَعْضَهُ وَبَدَّلَ حُكْمَهُ؟ قَالُوا: وَأَخْبَرَنَا رَبُّنَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَنُورٌ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ مُبَدَّلًا بِالسُّنَّةِ، لَكَانَ بَعْضُهُ عَمَاءً لِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَكَانَ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا أَقَرُّوا أَحْكَامَهُ أَنْ لَا يَحْكُمُوا بِهَا حَتَّى يَطْلُبُوا الْعِلْمَ فِي السُّنَّةِ، هَلْ بَدَّلَتْ بَعْضَ أَحْكَامِهِ أَمْ لَمْ تُبَدِّلْهُ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ شِفَاءً لِلْقُلُوبِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ قَدْ نَسَخَتْ بَعْضَ أَحْكَامِهِ لَكَانَ بَعْضُ تَحْرِيمِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ حَلَالًا، وَبَعْضُ تَحْلِيلِهِ فِي كِتَابِهِ حَرَامًا وَلَا ⦗١٠٧⦘ يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ حُجَّةٌ بِالْقُرْآنِ حَتَّى يَعْلَمَ جَمِيعَ السُّنَّةِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بِالسُّنَّةِ، قَالُوا: فَمَا أَحَلَّ النَّبِيُّ ﷺ بِسُنَّتِهِ، وَلَا حَرَّمَ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ إِمَّا نَصًّا، وَإِمَّا بِمَا أَوْجَبَهُ مِنْ طَاعَتِهِ، وَكَانَ إِجْمَاعُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ أُصُولَ الْعِلْمِ وَالْأَحْكَامِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمِنْهُ بَيِّنٌ مَفْهُومٌ فِي تِلَاوَتِهِ، وَمِنْهُ مُسْتَنْبَطٌ بِالْبَحْثِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ عَنِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ نَاسِخَةً لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ لَمَا حَلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَبِّهَ حَادِثَةً بِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِهِ حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ الْأَصْلَ نُسِخَ بِغَيْرِهِ، أَمْ لَا، فَمَا زَالُوا يُعَظِّمُونَ شَأْنَهُ وَيَأْمُرُونَ بَاتِّبَاعِهِ وَلَا يَأْمُرُونَ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ، وَلَقَدْ رَأَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ مِصْدَاقَ كَثِيرٍ مِمَّا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي كِتَابِ اللَّهِ يُؤَكِّدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَنَّهَا لَا تُبَدِّلُ مَا فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ تُبَدِّلُ مَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ طَلَبُ مِصْدَاقِهَا فِيهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُطْلَبَ مِصْدَاقُهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَنَا رَبُّنَا أَنَّهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ جُمَلَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَلَمْ يَبْعَثْهُ لِيُبْطِلَ بَعْضَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُبَدِّلَهُ وَيُحَوِّلَهُ بِقَوْلِهِ، فَاللَّهُ يَنْسَخُ قَوْلًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَنْسَخُ قَوْلَهُ بِقَوْلِ نَبِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فَرَائِضَهُ بِكَلَامِهِ وَأَجْمَلَ كَثِيرًا مِنْهَا وَأَمَرَ نَبِيَّهُ بِتَفْسِيرِ مَا أَجْمَلَ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ الْمُبَيِّنَ لَهُمْ ذَلِكَ عَنْ رَبِّهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ أَنْ يُبَدِّلَ حُكْمَ كِتَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ وَقَطَعَ بِهِ عُذْرَهُمْ، وَلَوْ كَانَ بَدَّلَ بَعْضَ أَحْكَامِهِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ لَتَحَيَّرَ الْعِبَادُ فِيهِ، أَمَّا عَالِمُهُمْ وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ عَامَّةَ السُّنَنِ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ لَمْ يَسْمَعْهُ قَدْ بَدَّلَ النَّبِيُّ ﷺ بِهِ بَعْضَ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي الَّذِي قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ نَسَخَتْ بَعْضَ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَمْ يُقِرَّ اللَّهُ فِيهِ حُكْمًا إِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ بَدَّلَهُ وَنَسَخَهُ بِحَدِيثٍ قَدْ وَرِثَهُ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ فَتَسْقُطُ حُجَّةُ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ عَنْ عِبَادِهِ ٣٩٥ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَاحْتَجَّ الَّذِينَ رَأَوْا أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَسَخَ بَعْضَ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ فَقَالُوا: الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ أَمْرَانِ فَرَضَ اللَّهُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ بِهِمَا عَلَى خَلْقِهِ، وَقَرَنَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، فَمَحَلُّهُمَا فِي التَّصْدِيقِ بِهِمَا وَاحِدٌ كِلَاهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهَ ﷿ يَحْكِي عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ أَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ لِذُرِّيَّتِهِ فَقَالَ: ﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: ١٢٩]، وَقَالَ ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢] ⦗١٠٨⦘ وَقَالَ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ١٥١]، وَقَالَ: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: ١٦٤]، وَقَالَ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمْ﴾ [النساء: ١١٣] وَقَالَ: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: ٣٤] ٣٩٦ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْكِتَابَ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ، فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْقُرْآنَ وَأَتْبَعَهُ الْحِكْمَةَ وَذَكَرَ مَنَّهُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَعْلِيمِهِمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فَلَمْ يَجُزْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، الْحِكْمَةُ هَا هُنَا إِلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَحَتَّمَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِقَوْلٍ: هُوَ فَرْضٌ إِلَّا لِكِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِهِ ﷺ وَبِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْإِيمَانَ بِرَسُولِهِ مَقْرُونَا بِالْإِيمَانِ بِهِ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُبَيِّنَةٌ عَنِ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ دَلِيلَهُ عَلَى خَاصِّهِ وَعَامِّهِ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرَ رَسُولِهِ ﷺ
1 / 106