Sunduq Dunya
صندوق الدنيا
Genres
فجر صاحبنا الكرسي ودنا به من المكتب وتنحنح ثم استطاع بجهد أن يفضي بالموضوع، وكان الوزير في أثناء ذلك يقطب حاجبيه أو يرفعهما أو يستعيده بعض ما يسمع منه، وهو مستغرب، وصاحبنا لا يفطن إلى آيات الدهشة في وجهه ولا يدرك أمارات العجب ولا يلتفت إلى دلائل الملل، وأخيرا قال: «وقد جئت راجيا أن تتفضلوا علي بيان واف على قدر المستطاع في هذا الموضوع.»
فقال الوزير ولم يخف امتعاضه: «ولكن هذا من اختصاص وزير الحقانية!»
ولو كان صاحبنا حاضر الذهن لفطن إلى الغلط الذي وقع فيه ولاستطاع أن يحسن التخلص. ولكن لسانه سبق رأسه فقال: «ولهذا جئت لمعاليكم.»
قال الوزير وقد اشتد امتعاضه: «ولكني لست وزير الحقانية»، فبهت المسكين، ووقف لسانه في حلقه، ودارت به الأرض، ورثي الوزير له وأدركه العطف عليه، فلاطفه وقال: «لا بأس، الغلط مردود (وضحك) لم يضع الوقت، يمكنك أن تقصد إلى وزير الحقانية الآن، لقد سرتني زيارتك على كل حال وأرجو أن أراك مرة أخرى، نهارك سعيد.»
وخرج «م» وهو لا يرى ولا يفهم شيئا. ماذا عسى أن يقول عنه رئيس التحرير أو أي إنسان حين يعلم أنه يخلط بين وزير الحقانية ووزير ... أي وزارة هذه التي كان فيها؟ حتى هذا لا يعرفه أو هل يجرؤ الآن أن يستخبر أحدا؟ وهل يجرؤ أن يعود إلى جريدته جاهلا أي وزير قابل، فوق ما كان من جهله وتخليطه.
ولم يكن يخفى عليه أن الحل الوحيد هو أن يقصد إلى الحقانية ويقابل وزيرها. ولكن اضطرابه بلغ مبلغا احتاج معه إلى علاج، فقصد إلى قهوة قريبة وألهم أن يطلب كأسا من الويسكي جرعها صرفا، ولم يلبث أن سكنت نفسه قليلا، فشرب كأسا ثانية وثالثة، ثم قام إلى بغيته وبه من الثقة بالنفس ما لا يذكر أنه أحسه من قبل، ورأى من الأمانة أن يكاشف رئيس التحرير بما كان من غفلته. فضحك حتى كاد يقع من فوق كرسيه وقال: يا صاحبي. إنك كاتب لبق يسعك ما لا يسع فرقة بأسرها من الكتاب حين تجلس إلى مكتبك، ولكن حين تلقى الناس لا تعود صالحا لشيء أو قادرا على شيء. فاذهب إلى مكتبك ولا تزايله فما نستطيع أن نخلقك خلقا جديدا.
حلم بالآخرة
(1) وادي الأشباح
عدت من هياكل «الكرنك»
1
Unknown page