Sunduq Dunya
صندوق الدنيا
Genres
فحصبني بملء صحراء من اللعنات والشتائم ثم قال: «هات بقى.»
ففهمت هات لأنها من الكتاب، وتجاوزت عن باقي «بقى» على اعتبار أنها على الأرجح كلمة شكر أو دعاء، وناولته القروش الستة البيضاء. وإذا به يثب على الأرض ويجذبني من جيب سترتي ويصب علي من السباب ما يكفي شعبا بأسره جيلا كاملا. فما أشد إسرافه قاتله الله. وتنازعني الضحك والغضب والخوف. ولكني ضبطت عواطفي وصوبت عيني إلى الكتاب ثم رفعت له وجهي وقلت: «وديني الكشلة.»
1
فقال: «القشلة؟ يا خبر أسود يا ناس. تعالوا انظروا هذا يريد أن يدعي أني كسرته ...» وهكذا وهكذا مما يستطيع القارئ أن يتصوره ولا حاجة بنا إلى وصفه.
ولم أدع أنا شيئا من هذا، ولا خطر لي أن أفعل، ولكنه الكتاب استوجب مني أن أذهب إلى القشلة بعد أن حملني إلى المحطة، ولا موجب لهذا ولا ذاك، ولكن هكذا شاء فكان ما أراد، فرأيت الأحزم أن أنتقل إلى الجملة التي تلي «القشلة» فقلت: «طيب اعمل فسهة في البلد.»
فلم يدر أيشتم أم يضحك. وبعد أن تأملني قليلا قال: «يا بن ... من القشلة للفسحة؟»
وبينما كان هو يصعد إلى مقعده كنت أنا أترجل. فالتفت إلي مذهولا، فأنقدته القروش العشرة وقلت له: «لا مؤاخذة لقد كنت أمزح.» فحار كيف يعتذر عن شتائمه ولعناته ...
سأجرب فضل الكتاب في نزوة أخرى استخلاصا لحقي.
أشق المحادثات
محادثة الصم أشق شيء بعد محادثة النساء. إذا صح أن الرجل يتحدث أو تتاح له فرصة الكلام وهناك امرأة. والفرق بين الحالتين - أعني بين محادثة الصم ومحادثة النساء - أن المرء في الحالة الثانية لا يزال يفتح فمه، كلما توهم أن الحظ قد أسعفه بفرصة، ولكنه - فيما أعلم - لا يجاوز التأتأة أو الفأفأة أو غير هذه وتلك مما هو منهما بسبيل، ولا يكاد يزيد على «أ أ أ»، ثم لا يرى معدى عن إطباق فمه، وهكذا فلو أتيح لك أن تراه وهو يفتح فمه ثم يطبقه مرة بعد أخرى - دون أن تعلم أن هناك امرأة تتحدر كالسيل - لظننته يتثاءب من فرط الملل والوحدة، وشر ما في الأمر أن المرأة لا تنفك تنكر على الرجل صمته وتستهجنه منه أو تعده دليلا على أن في نفسه شيئا من ناحيتها. وليس من الميسور أن يقول الرجل منا لأمه أو زوجته أو أخته أو لأية سيدة محترمة: إن علة صمته أنها هي لا تكف عن الثرثرة. كلا، هذا لا سبيل إليه فإن عاقبته أوخم، فهي ورطة كما ترى لا مخرج منها.
Unknown page