Sunduq Dunya
صندوق الدنيا
Genres
فهز رأسه مرات وهو لا يستطيع النطق من الإغراق في الضحك ومضيت أنا في ملاحظاتي التي شاقته وأعجبته وأرضته فقلت: «وإذا رأوك تلعب بالكرة قالوا لك: إنك شقي وإن اللعب بالكرة غير محمود، وإذا سكت ولم تلعب ولم تتكلم، زعموا أنك سيئ الطبع، أو ادعوا أنك مريض وسقوك على كره منك ملء فنجان من زيت الخروع ...»
فقاطعني متمما لي ملاحظاتي: «وإذا كانوا يبحثون عن شيء ولا يجدونه ظنوا أني أنا الذي خبأته، ثم إذا وجدوه حيث وضعوه نسوا أنهم هم الذين فعلوا ذلك واتهموني أنا، وأجادلهم وأبين لهم أن لا دخل لي في ذلك كله، فيختمون حوارهم معي بأنهم تعبوا من الكلام معي كأني أنا لم أتعب أيضا من سماع كلامهم.»
فقلت بدوري مقاطعا: «وإذا كسروا قلة أو كوبا لم يسألوا عيونهم لماذا لم ترها؟ كأن عيونهم ليست مكلفة أن تبصر شيئا أبعد من أنوفهم، بل راحوا يتساءلون عمن وضع القلة هنا. كأن واضعها هو المسئول ...»
قال: «أما إذا كسرتها أنا فالويل لي من شيطان يجب أن يحبس في غرفته منفردا.»
قلت: «وإذا كلفوك أن تأتي بشيء ولم تجده لأنه ليس في المكان الذي بعثوا بك إليه، أو لأن شخصا نقله، فإنك تكون في رأيهم ولدا خائبا وغبيا لا يفهم.»
قال: «وأنا دائما المخطئ وهم أبدا على صواب حتى صرت واثقا أني لا يمكن أن أكون مصيبا في عمل أو قول، وهذا يحيرني جدا ويربكني يا بابا.»
قلت: «أظن الآن أن موضوع الكتاب صار واضحا ظاهر الحدود بين المعالم، وسنقلب فيه المسألة ونجعل الصغار هم العقلاء الحكماء الذين لا يخطئون أبدا، والكبار هم الأغبياء البلداء الذين لا يصيبون والذين يحتاجون إلى الرقابة والإرشاد والتأديب والزجر.»
فطار الغلام من الفرح، ووثب على رجليه وانهال علي تقبيلا وألح علي بالسؤال: «أصحيح ما تقول يا بابا؟»
قلت: «نعم. وسنسميه «المختار في تهذيب الكبار»، ونجعل الصغار هم الذين يبقون في البيت لتدبير شئونه، والكبار هم الذين يذهبون إلى المدرسة ونلبسهم ما يلبس التلاميذ والتلميذات الآن من البذلات القصيرة ونقص لجدتك شعرها ونخرجها في قبعة من قبعات البنات الصغيرة ونضع لها على صدرها «مريلة» ونبعث بها إلى المدرسة، وإذا لم تحفظ دروسها عاقبناها بالوقوف ووجهها إلى الحائط، وإذا أكثرت من اللعب حرمناها الحلوى، وإذا لم تنم في الساعة الثامنة عددناها سيئة الخلق عنيدة ولم نخرج بها للرياضة يوم الجمعة.»
قال: «ويجب أن نحرم عليها اللعب إلا مع لداتها من الجدات نظائرها، وإذا وجدناها تلاعب واحدة من الشواب عاقبناها بالحبس في غرفتها، وإذا جلست ساكتة أو لم تتناول طعامها بإقبال أنمناها في سريرها وجرعناها ملء كوب من زيت الخروع، وإذا كرهت طعمه أو تقززت من مذاقه قلنا لها: إنه يفيدها وإننا نحن نعرف ما يصلح لها وما لا يصلح، وإذا جلست معنا واشتركت في الحديث انتهرناها بنظرة، فإذا لم تكف أفهمناها أن الكبار لا يصح أن يقاطعوا الصغار ...»
Unknown page