Sunduq Dunya
صندوق الدنيا
Genres
عرفني مرة أحد الإخوان باثنين من الأعيان كانا معه في مجلس ، فكان مما وصفني لهما به أني شاعر، فأبرقت أساريرهما، وغمر البشر وجهيهما واستغنيا عن «تشرفنا» واعتاضا منها «ما شاء الله» و«سبحان الفتاح» وأقبل علي أحدهما يربت لي ظهري ويمسحه لي بكف كمضرب الكرة ويقول: «أسمعنا شيئا» كأنما كنت مغنيا على الربابة، ولو أني كنته لاستحييت أن أجيبهما إلى ما طلبا على قارعة الطريق، ولشد ما خفت - وهما يلحان علي - أن يمد أحدهما يده إلي بقرش ...
وقد يتفق لي أن أكون مع جماعة من الإخوان فأفضي بالملاحظة أو الفكرة، أحسبني وفقت فيها وكشفت عن أستاذية وبراعة ودقة فلا أكاد أفرغ منها حتى أسمع من أحدهم أن هذا «خيال شاعر»، وليته مع ذلك يعني شيئا سوى الفوضى والهذيان، وقد أسكت وأشغل نفسي عنهم بشيء أفكر فيه فأنتبه على التغامز.
والبلاء والداء العياء أن المرء يتحرى أن يجعل سلوكه مطابقا - على أدق وجه - للعرف والعادة في كل صغيرة وكبيرة، فلا يرى أن هذا يزيده إلا شذوذا في رأيهم. كان هذا الشذوذ المفروض فيه يبيح لهم أن يشذوا هم معه. كنت ليلة مستغرقا في النوم - ولعلي كنت أغط أيضا. وإذا بالباب يقرع كأن الواقف به قد استقر عزمه على تحطيمه، ففزعت وقمت إلى النافذة أسأل عن هذا الطارق فقال: فلان. فحل العجب والحيرة محل الفزع، ولم يكن فلان هذا ممن أتوقع زيارتهم في النهار فضلا عن الليل، وفي الصيف فضلا عن الشتاء ببرده القارس ومطره المنهمر، وكانت الساعة الثانية بعد نصف الليل، فلولا دهشة المفاجأة ولجاجة الرغبة في الوقوف على سر هذه الزيارة المزعجة لقذفته من النافذة بكل ما في الغرفة من أحذية ومخدات، بل لفككت السرير وهشمت له رأسه بأعمدته، من النافذة أيضا. فقد كان فوق ذلك كله من أثقل خلق الله.
ونزلت إليه والمصباح في يدي، وفتحت الباب ووقفت في مدخله «حجر عثرة» في سبيله وبودي لو أستطيع أن أكون «حجر منية»، فجرى بيننا هذا الحديث:
هو :
ليلتك سعيدة.
أنا (مصححا) :
نهارك سعيد.
هو :
آه صحيح ... نهارك سعيد. هل كنت نائما ؟
Unknown page