السُّنن
تصنيف
الإمام الحَافظ أبي عبد الله محمَّد بن يزيد بن ماجة القزويني
(٢٠٩ - ٢٧٣ هـ)
حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلق عليه
شعيب الأرنؤوط
عادل مرشد
محمَّد كامل قره بللي
عَبد اللّطيف حرز الله
الجزء الأول
دار الرسالة العالمية
مقدمة / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة / 2
السُّنن
(١)
مقدمة / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقُوق محفُوظة للِناّشر
الطبعة الأولى
١٤٣٠هـ - ٢٠٠٩ م
دار الرسالة العالمية
جميع الحقوق محفوظة
يمنع طبع هذا الكتاب أو أي جزء منه بجميع طرق الطبع والتطوير والنقل والترجمة والتسجيل المرئي والمسموع والحاسوبي وغيرها إلا بأذن خطى من
شركة الرسالة العالمية م. م.
al-Resalah AL-A'Lamiah m
publishers
الإدارة العامة
Head Office
دمشق - الحجاز
شارع مسلم البارودى
بناء خولى وصلاحى
٢٢١٢٧٧٣ - ١١ (٩٦٣)
٢٢٣٤٣٠٥ - ١١ (٩٦٣)
الجمهورية العربية السورية
Syrian Arab Republic
info@resalahonline.com
http://www.resalahonline.com
فرع بيروت
BEIRUT/ LEBANON
TELEFAX:٨١٥١١٢ - ٣١٩٠٣٩ - ٨١٨٦١٥
P.O BOX:١١٧٤٦٠
مقدمة / 4
مقدمة التحقيق
إن الحمدَ لله، نَحمَدُهُ ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ به مِن شرورِ أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ، فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ، فلا هَادِيَ له.
ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد، فهذا كتابُ "السُّنن" للإمام الحافظ أبي عبد الله محمَّد ابن يزيد بن ماجَهْ القَزْوِيني، نَضَعُهُ بينَ يدي الشيوخ وطلاب العلم بعد أن اضطَلَعْنا بأعباءِ تحقيقه على أصولٍ خطيةٍ مُتقنة، غايةً في
مقدمة / 5
النفاسة، وضبطِ نصوصه وتخريجِ أحاديثه، وبيانِ درجة كُل حديثٍ منها على نحوِ نرجو أن يجدَ فيه طلبةُ العلم بُغْيتَهم، ويُشبِعَ رغبتهم، وينالَ إعجابَهم بما تميزت به هذه الطبعةُ المتقنة المتميِّزة عن سابقاتها، والله الموفق لا ربَّ سواه.
مقدمة / 6
التعريف بالمصنِّف
* اسمه ونسبه ومولده:
هو الحافظُ الكبيرُ الحجةُ المفسِّرُ، أبو عبد الله محمدُ بنُ يزيدَ ابنُ ماجَهْ، الرَّبَعي مولاهم، القَزْوِيني، مصنف "السُّنن" و"التاريخ" و"التفسير"، وحافظُ قَزْوين في عصره (١).
وماجَهْ: بفتح الميم والجيم وبينهما ألف، وفي آخره هاء ساكنة (٢)، وهو لقب والده يزيد كما نقله عبدُ الكريم الرافعي في "أخبار قزوين" بخط أبي الحسن القطان راوي "السُّنن" عن ابن ماجه (٣)، وكذلك قال أبو يعلى الخليلي (٤).
والرَّبَعي: بفتح الراء والباء المُوَحدَةِ، وبعدها عينٌ مهملة، وهي نسبة إلى رَبِيعة (٥). قال القاضي أبو يعلى الخليلي: وَلاؤُه لِربيعة (٦).
والقَزْوِيني: بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون، نِسبةً إلى قَزْوِينَ (٧)، وكانت تُسمى
_________
(١) "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي ١٣/ ٢٧٧.
(٢) "وفيات الأعيان" لابن خلكان ٤/ ٢٧٩.
(٣) "التدوين في أخبار قزوين" ٢/ ٤٩.
(٤) "سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٢٧٨.
(٥) "وفيات الأعيان" ٤/ ٢٧٩.
(٦) "سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٢٧٨.
(٧) "وفيات الأعيان " ٤/ ٢٧٩.
مقدمة / 7
بالفارسيةِ: كَشْوين، ومعناها: الحدُّ المنظورُ إليه، أي: المحفوظ، فعُرّبت هذه اللفظةُ، فقيل: قزوين (١)، ولم يزل لأهلِ فارسَ مقاتِلةٌ مِن الأساوِرَةِ يُرابطون فيه، فيدفعون الدَّيلمَ إذا لم يكن بينهم هُدنة، ويحفظون بَلَدَهُم من مُتلصصيهم وغيرِهم إذا جرى بينهم صلح (٢).
وقد افتتحها البراءُ بنُ عازب ﵁ في خِلافة عثمانَ بن عفان ﵁ صُلحًا، وولاَّه عثمانُ على الرَّيِّ سنةَ (٢٤) للهجرة (٣).
وتقع هذه المدينة اليومَ في الشمال الغربي مِن طهران عاصمةِ إيران، على بُعدِ مئةِ ميل منها، وهي إذ ذاك أحدُ أهمِّ ثغورِ المسلمين (٤). وفي شمالها يقع البحر المسمى باسمها بحر قزوين.
وقد خرج منها جماعةٌ مِن العلماء والأئمةِ الفضلاء في كل فنٍّ ونوع، منهم أبو يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ صاحب كتاب "الإرشاد" المتوفَّى سنةَ (٤٤٦ هـ).
ومنهم الإمامُ الفقيهُ المحدث عبدُ الكريم بنُ محمَّد الرافعي القزويني شارحُ كتاب "الوجيز" للغزالي، وصاحبُ كتاب "التدوين في أخبار قزوين"، المتوفى سنة (٦٢٣ هـ).
_________
(١) "فتوح البلدان" لأبي الحسن البلاذُري ص ٣١٧، و"التدوين في أخبار قزوين" للرافعي ١/ ٣٧، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي ٤/ ٣٤٢.
(٢) "فتوح البلدان" ص ٣١٧.
(٣) "معجم البلدان" ٤/ ٣٤٢.
(٤) "بلدان الخلافة الشرقية" كي لسترنج ص ٢٥٣.
مقدمة / 8
* ولادته:
وُلد أبو عبد الله ابن ماجه سنةَ تسعٍ ومئتين (١)، صرَّح هو بذلك فيما نقله أبو الفضلِ محمدُ بنُ طاهر المقدسي مِن خط جعفر بنِ إدريسَ القزويني صاحبِ ابنِ ماجه عنه (٢).
* أسرته:
لم يكن أبو عبد الله ابنُ ماجه وحدَه ممن اعتنى بطلبِ العلم من أسرة يزيد المعروف بماجه، بل ظهر غيرُ واحدِ من أفراد هذه الأسرة ذُكِرُوا بالعلم والفقه، فقد كان له إخوةٌ، ذكر بعضَهم صاحبُ ابنِ ماجه جعفرُ بنُ إدريس القزويني، وهم: أبو بكر وأبو عبد الله (٣)، وذكر الخطيبُ البغدادي أيضًا مِن إخوته أبا محمدِ الحسن بن يزيد (٤)، قال عنه الرافعي: من ثقات الشيوخ (٥)، وهذا الأخير له ولد اسمه أبو الحسن أحمد، ذكره حمزة بن يوسف السهمي والرافعي (٦)، وله أيضًا حفيدٌ اسمُه محمَّد بنُ حمزة بن
_________
(١) "التدوين في أخبار قزوين" ٢/ ٥٠، و"وفيات الأعيان" ٤/ ٢٧٩، و"سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٢٧٧.
(٢) "شروط الأئمة الستة" لأبي الفضل محمَّد بن طاهر المقدسي ص ١٦، و"تهذيب الكمال" للمزي ٢٧/ ٤١.
(٣) "شروط الأئمة الستة" ص ١٦ - ١٧.
(٤) "تاريخ بغداد" ٧/ ٤٥٣.
(٥) "التدوين في أخبار قزوين" ٢/ ٤٣٩.
(٦) "تاريخ جرجان" للسهمي ص ١٠٨، و"التدوين" ٢/ ١٥٧.
مقدمة / 9
الحسن، قال عنه الرافعي: مِن بيت العلم والحديث (١)، وحفيدٌ آخرُ اسمُه علي بن أحمد بن الحسن، ذكره الرافعي (٢). إلا أن رائدَهم ومقدَّمهم في العلمِ وأشهرَهم هو أبو عبدِ الله محمدُ بن يزيد رحمه الله تعالى.
وكان لابن ماجه عقبٌ، فقد ذكر صاحبُه جعفرُ بنُ إدريس ولدَه عبدَ الله حين تحدَّث عن وفاته ودفنه (٣).
* ثقافته العلمية وعصره:
تنوعت معارفُ الإمام ابنِ ماجه وتعدَّدَتْ جوانبُ ثقافته، فهو مع كونه إماما في الحديث، حافظ ناقدٌ كما وصفه الإمامُ الذهبي (٤)، وكان لديه باعٌ في علم التفسير، ودراية قوية بعلم التاريخ، وله في ذلك مصنفات عرفها أهلُ العلم، واستفادُوا منها.
وليس ذلك بالأمرِ الغريب لمثل هذا الإمام، مع ما كان يتمتَع به من الذكاء، وقوةِ الحافظة، والصبرِ على طلب العلم، والمصابرةِ فيه، وتحملِ المشاق في سبيل الرحلة لنيله وتحصيله، فلم يَقنَعْ بما أخذه عن عُلماء قزوين أمثالِ عليّ بن محمَّد الطَّنافسي الكوفي ثم القزويني، وعمرو بنِ رافع البجلىِّ الرازي ثم القزويني، وإسماعيلَ بنِ
_________
(١) "التدوين" ١/ ٢٧٤.
(٢) "التدوين" ٣/ ٣٢٨.
(٣) "شروط الأئمة الستة" ص ١٧.
(٤) في "سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٢٧٧.
مقدمة / 10
تَوْبة الثقفي نزيلِ قزوين، ولكنه آثر تركَ الوطن وطِيبِ المُقام في بلده قزوين التي كانت ذات طبيعة خَلّابة، ورحل إلى أقطار بعيدة، وأمصار نائية، وحَرَصَ على الالتقاء بأكابر أهلِ العلمِ فيها، فارتحل إلى الريِّ وسَمِعَ بها مِن الحافظ محمَّد بن حُمَيد الرازي، وإلى نيسابور وسمعَ بها من الحافظ محمَّد بن يحيى الذُهْلي، وإلى العراق وسَمِعَ بها من ابني أبي شَيْبة أبي بكر وعثمان، ومِن أحمد ابن عَبْدة وزهير بنِ حرب، وإلى الشام وسَمِعَ بها من هشام بنِ عمار ومحمد بن المصفَّى ودُحَيم، وإلى مصر ولقي بها أبا طاهر بن السًرْح، ومحمدَ بنَ رُمح ويونس بن عبد الأعلى، وإلى الحجاز وسمع بها من ابن أبي عمر وأبي مروان العثماني بمكة، وبالمدينة من إبراهيم بن المنذر الحِزامي وأبي مصعب الزهري (١).
وقد تمَّ له ذلك وهو في ريعان شبابه، واكتمال قوته، نتبيَّن ذلك مِن سماعه من الشيوخ الذين تقدَّمت وَفَياتُهم، كزهير بن حرب، ومحمد بن عبد الله بن نُمَير، وكانا بالعراق، وقد تُوفِّيا سنة (٢٣٤ هـ)، وبذلك يكون عمره حين سمع منهما خمسًا وعشرين سنة والله أعلم.
وقد التقى في رحلته هذه بعددٍ من الفقهاء أيضًا، كحَرْملةَ بنِ يحيى التُجيبي والربيعِ بنِ سليمان المُرَادي صاحبَي الإمامِ الشافعي ﵀، ويونس بن عبد الأعلى الفقيه المالكي، وكان هذا الأخيرُ أيضًا مِن شيوخ الإقراء على قراءتي نافع بن عبد الرحمن
_________
(١) "تاريخ دمشق" لابن عساكر ٥٦/ ٢٧١، و"التدوين" ٢/ ٤٩ - ٥٠، و"التقييد لمعرفة السُّنن والمسانيد" لابن نقطة (١٣٧).
مقدمة / 11
وحمزة بن حبيب الزيات، وكلاهما من القراء السبعة، ومن شيوخ الإقراء الذين لقيهم كذلك عبدُ الله بن أحمد بن بشير بن ذَكْوان أحد الرواة الأثبات عن ابن عامر الدمشقي أحد السبعة.
ولا شكَّ أنه بلقائه أولئك الأئمةَ قد استفاد منهم، وحَرَصَ على ملازمتهم مدةَ مُكْثِه بتلك البلاد، شأنَ طلاب العلم في ذلك العصر، الذين لم يكن يحجُزُهم بُعدُ الشُقَة عن تجشُّم المشقَّة، وكانوا يغتنمون الفرصة، ويستثمرون وقتهم كله في حضور مجالس العلماء والأخذ عنهم والإفادة منهم، وتدوين ما يسمعونه منهم.
وكان تفرقُ العلماءِ في تلك الأمصار واختصاصُ كل منهم بما ليس عند غيره مِن أصناف العلوم حافزًا للنَّبَغَةِ مِن طلاب العلم إلى الرحيل إليهم، وقصدِ مواطن إقامتهم، يستسهلون الصعبَ، ويتحمَّلون المشاقَ، ويتبلغون باليسير، تلبيةَ لنداء الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]، ولتحقيق رضوانِ الله ورغبتهم فيما عنده من الثواب والأجر، ونَدَرَ أن يوجد طالبُ علمٍ في ذلك الزمان ليست له رِحْلة.
* شيوخه:
بما أن الإمامَ ابنَ ماجه كانت له رحلةٌ واسعة، شَمِلَتْ مناطقَ عديدةً مِن بلاد خراسان وما وراء النهر، كما شَمِلَتْ أهمَّ حواضر العلم في بلاد الشام والعراق ومصر والحجاز، فلم يكن غريبًا أن
مقدمة / 12
يكونَ له شيوخ كثيرون من تلك البلاد، أخذ عنهم، وروى عنهم، وأفاد منهم، قال الحافظ المِزي في ترجمته من "تهذيب الكمال": سمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام وغيرِها من البلاد جماعةً يطولُ ذكرهم، قد ذكرنا منهم في كتابنا هذا مَن وقفنا عليه منهم. اهـ.
وقد استقصى الشيخ محمَّد عبد الرشيد النعماني في كتابه "الإمام ابن ماجه وعلم الحديث" -وهو باللغة الأُردية- أسماءَ شيوخِ ابن ماجه الذين روى عنهم في "سننه" و"تفسيره"، ورتبهم على بلادهم، فبلغ عددهم (٣١٠)، وكلهم مُترجَمون في "تهذيب الكمال" للحافظ المزي، وفروعه مثل: "تهذيب التهذيب" و"تقريب التهذيب" و"خلاصة تذهيب تهذيب الكمال" وغيرها.
وصنَّف الإمام الحافظ ابن عساكر صاحب "تاريخ دمشق" المتوفى سنة (٥٧١ هـ) معجمًا يَشْتَمِلُ على ذكرِ أسماءِ شيوخ الأئمةِ الستة، وهو مطبوعٌ باسم "المُعجَم المُشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النَّبَل".
قلنا: وقد قمنا باستقصاء عددهم في "السُّنن" وحدَها فبلغوا (٣٠٣) شيخٍ تقريبًا، منهم مَن ليس له سوى حديث أو حديثين أو ثلاثة.
وقد شارك ابنُ ماجه البخاريَ ومسلمًا في كثيرٍ من شيوخهما كمحمد بنِ بشار بُندار، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كُريب محمَّد بن العلاء، ومحمد بن عبد الله بن نُمَيْر، وغيرهم.
مقدمة / 13
ومن الشيوخ الذين أكثر ابنُ ماجه عنهم هؤلاء الأربعة الذين شارك البخاري ومسلمًا في الرواية عنهم، وأكثَرَ أيضًا عن محمَّد بن يحيى الذهلي، وعليِّ بنِ محمَّد الطنَافسي، وعبدِ الرحمن بن إبراهيم الدمشقي المعروف بدُحَيْم، ومحمد بن رُمْح المصري، ومحمد بن الصَّبَّاح الجَرْجَرَائي، وهشام بن عمار. ونترجم لهم هنا تراجمَ مُوجَزة:
١ - الإمام الحافظ راوية الإسلام أبو بكر محمَّد بن بشار بن عثمان البصري، الملقَّب بُندارًا، ومعناه: الحافظ، جمع حديث بلده وحفظه، ووصفه ابن خُزيمة بأنه إمامُ أهل زمانه في العلم والأخبار، ولد سنة ١٦٧، ولم يرحل مبكرًا برًّا بأمه، ثم رحل بعدَ موتها، وقال: كَتَب عني خمسةُ قُرون، وحدَّثتُ وأنا ابن ثماني عشرة سنة، توفي سنة ٢٥٢ (١). وهو شيخُ الستة: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
٢ - الإمامُ الحافظُ عديمُ النظير أبو بكر عبد الله بن محمَّد بن أبي شيبة العَبْسي مولاهم الكوفي، صاحبُ "المسند" و"المصنف" وغيرهما، كان أحفظَ أهلِ زمانه، قال أبو عبيد القاسم بن سَلام: أحسنُهم وضعًا لكتابٍ أبو بكر بن أبي شيبة. توفي سنة ٢٣٥ (٢). وهو شيخ البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجه.
_________
(١) "تهذيب الكمال" للمزي ٢٤/ ٥١١ - ٥١٨، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي ١٢/ ١٤٤ - ١٤٩. وأراد بالقُرون -والله أعلم- جمعَ القَرن، ومن معانيه: عشر سنين، والمعنى أنه قد أُخذ عنه الحديثُ خمسين سنة.
(٢) "تهذيب الكمال" ١٦/ ٣٤ - ٤١، و"تذكرة الحفاظ" للذهبي ٢/ ٤٣٢ - ٤٣٣.
مقدمة / 14
٣ - الحافظ أبو كُرَيب محمَّد بن العلاء بن كريب الهَمْداني الكوفي، وُلِدَ سنةَ ١٦١، وكان عارفًا بحديثِ أهلِ الكوفة، مِنْ أحفظِ أهل زمانه، توفي سنة ٢٤٨ وله ٨٧ عاما (١). وهو شيخ الستة.
٤ - الحافظُ الحجة محمَّد بن عبد الله بن نُمير، أبو عبد الرحمن الهَمْداني ثم الخارفي مولاهم الكوفي، ولد سنة نَيف وستين ومئة، وكان رأسًا في العلم والعمل، كان أحمدُ يُعظمه، وقال أبو حاتم: ثقة يُحتج بحديثه. توفي سنة ٢٣٤ (٢). وهو شيخُ البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجه.
٥ - الإمامُ الحافظُ البارعُ إمام أهل الحديث بخُرَاسان أبو عبد الله محمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذُّهلي مولاهم النيسابوري، وُلِدَ سنةَ بضع وسبعين ومئة، جمع علمَ الزهري وصنَّفه وجوَّده، وكان أحمدُ يُثني عليه ويَنْشُرُ فضلَه، وقال عنه أبو حاتم: إمام أهل زمانه، وقال ابن أبي داود: كان أميرَ المؤمنين في الحديث. توفي سنة ٢٥٨ (٣). وحدَّث عنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
٦ - الإمامُ الحافظُ المتقنُ أبو الحسن عليُّ بن محمَّد الطنافسيُّ الكوفي، ابنُ أخت الطنافسيين علماءِ الكوفة محمَّد ويعلى وعمر وإبراهيم، سكن قزوين، قال أبو حاتِمٍ: كان ثقةً صدوقًا، هو أحبُّ
_________
(١) "تهذيب الكمال" ١٦/ ٢٤٣ - ٢٤٧، و"سير أعلام النبلاء" ١١/ ٣٩٤ - ٣٩٨.
(٢) "تهذيب الكمال" ٢٥/ ٥٦٦ - ٥٦٩، و"السير" ١١/ ٤٥٥ - ٤٥٧.
(٣) "تهذيب الكمال" ٢٦/ ٦١٧ - ٦٣١، و"السير" ١٢/ ٢٧٣ - ٢٨٥.
مقدمة / 15
إليَّ مِن أبي بكر بن أبي شيبة في الفضل والصلاح، وأبو بكر أكثرُ منه حديثا وأفهمُ. توفي سنة ٢٣٣ (١). وانفرد ابن ماجه من بين الستة بالرواية عنه.
٧ - الإمام الحافظُ القاضي الفقيه أبو سعيد عبدُ الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون الدمشقي، وُلِدَ سنة ١٧٠، وكان يُلقَّب بدُحيمٍ اليتيم، قال أبو حاتم: كان دُحيم يُميِّزُ ويَضْبِطُ وهو ثقة. وقال الذهبي: عُنِيَ بهذا الشأن، وفاق الأقرانَ، وجمع وصنَف، وجرَّح وعدَّل، وصحَّح وعلَّل، وكان على مذهب الأوزاعي. توفي سنة ٢٤٥ (٢). وهو شيخ البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه.
٨ - الإمام المحدَث محمَّد بن الصباح بن سفيان، أبو جعفر الجَرْجَرَائي، مولى عمر بن عبد العزيز، وجَرْجَرايا: قرية بينَ واسط وبغداد، كان أحمد يُجِلُّه ويُعظمُه، توفي بجرجرايا سنة ٢٤٠ (٣). وهو شيخُ أبي داود وابن ماجه.
٩ - الحافظ الثبت أبو عبد الله محمَّد بن رُمح بن المهاجر بن المحرر التُّجِيبي مولاهم المصري، كان معروفًا بالإتقانِ الزائدِ والحفظ، قال النسائي: لو كان كتَبَ عن مالك لأثبتُّه في الطبقة الأولى مِن أصحابه، يعني لحفظه وإتقانه. وقال الذهبي: أنا أتعجبُ من البخاري كيف لم يرو عنه، فهو أهل لذلك، بل هو أتقن من
_________
(١) "تهذيب الكمال" ٢١/ ١٢٠ - ١٢٢، و"السير" ١١/ ٤٥٩ - ٤٦١.
(٢) "تاريخ دمشق" لابن عساكر ٣٤/ ١٦٣ - ١٧١، و"السير" ١١/ ٥١٥ - ٥١٨.
(٣) "تهذيب الكمال" ٢٥/ ٣٨٤ - ٣٨٦، و"السير" ١٠/ ٦٧٢ - ٦٧٣.
مقدمة / 16
قتيبة بنِ سعيد رحمهما الله. توفي سنة ٢٤٢ (١). وهو شيخ مسلم وابن ماجه.
١٠ - الإمامُ الحافظُ المقرئُ أبو الوليد هشامُ بنُ عمار بن نُصَير ابن مَيْسرة السُّلَمي الدمشقي، ولد سنة ١٥٣، وكان من أوعية العلم، وحدَّث عنه الكبار، توفي سنة ٢٤٥ (٢). وهو من شيوخ البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه.
* تلاميذه:
وقد تلقى العلمَ من الإمامِ ابنِ ماجه وأخذ الروايةَ عنه غيرُ واحد، حمل بعضُهم عنه كتابه "السُّنن"، واكتفى بعضُهم برواية شيء من حديثه، فمن الذين رَوَوْا عنه كتابَ "السُّنن":
١ - الحافظُ أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سَلَمة بن بَحْر القَطّان القزويني، وهو أشهرُ رواة "السُّنن"، وروايته هي المتداوَلةُ بين أهل العلم. وُلِدَ أبو الحسن سنة ٢٥٤، قال أبو يعلى الخليلي: عالم بجميع العلوم: التفسيرِ والنحوِ واللغةِ والفقهِ القديمِ، لم يكن له نظيرٌ دينًا ودِيانةً وعِبادةً، عُمِّر حتى أدركه الأحداثُ، له أولاد ثلاثة: محمَّد والحسن والحسين. توفي سنة ٣٤٥ (٣). وله زيادات على "السُّنن" عن غير واحدٍ من شيوخه سوى ابن ماجه، وقد ميزناها في طبعتنا هذه بإثبات دائرة سوداء في أولها.
_________
(١) "تهذيب الكمال" ٢٥/ ٢٠٣ - ٢٠٥، و"السير" ١١/ ٤٩٨ - ٥٠٠.
(٢) "تهذيب الكمال" ٣٠/ ٢٤٢ - ٢٥٤، و"سير أعلام النبلاء" ١١/ ٤٢٠ - ٤٣٥.
(٣) "الإرشاد" ٢/ ٧٣٥، و"التقييد" لابن نقطة (٥٣١).
مقدمة / 17
٢ - أبو عبد الله أحمدُ بنُ إبراهيم بن الخليل الخَلِيلي، جدُّ الحافظ أبي يعلى الخليلي، قال الخليليُّ عن جده: سمع بقزوين أبا عبد الله ابن ماجه، وكتب "مسنده" (١). وذكر أنه سَمِعَ الحديث بنهاوند وهَمَذَان على عدد مِن شيوخها (٢).
٣ - أبو داود سليمان بن يزيد بن سليمان الفاميّ القزويني، قال الخليلي: شيخ قديم مُسِنّ. ارتحل إلى الريّ والعراق ومكة وصنعاء، توفي سنة ٣٣٩ (٣).
٤ - أبو جعفر محمَّد بن عيسى المُطَّوِّعي الأَبهَري (٤).
٥ - أبو بكر حامد بن ليثوية الأبهري (٥).
وأشهر هؤلاء جميعًا أبو الحسن القطان، وقد نالت روايتُه القَبولَ من بين سائر الروايات لجلالة قدره في العلم، وبسببه انتشر الكتاب. وبقية الروايات لا تكادُ تُذكر بَلْهَ وجودَ تراجم لأصحابها خلا سليمان بن يزيد الفاميّ، فقد ذُكر فيمن أخذ "السُّنن" من طريقه أحمد بن محمَّد بن المَرْزُبانِ أبو الحسين الصوفي القزويني (٦)، وعلي بن الحسن بن أحمد بن إدريس العمري القزويني (٧).
_________
(١) يريد كتابه "السُّنن".
(٢) "الإرشاد" ٢/ ٧٦٥ - ٧٦٦، و"التدوين" ٢/ ١٣٤.
(٣) "الإرشاد" للخليلي ٢/ ٧٣٦، و"التدوين" للرافعي ٣/ ٥٧.
(٤) "التدوين" ٢/ ٥٠.
(٥) المرجع السابق ٢/ ٥٠.
(٦) المرجع السابق ٢/ ٢٥٢.
(٧) "التدوين" ٣/ ٣٤٣ و٤/ ٧.
مقدمة / 18
وأما تلاميذ ابن ماجه الذين رووا بعضَ الأحاديث عنه، فقد ذكر الحافظ ابن حجر منهم: علي بن سعيد بن عبد الله الغُدَاني العسكري، وإبراهيمَ بنَ دينار الحَوْشَبي الهَمَذاني، وأبا الطيب أحمد بن رَوْح الشَعْراني، وإسحاقَ بن محمَّد القزويني، وجعفرَ بن إدريس، والحسينَ بن علي بن يزدانيار، ومحمدَ بنَ عيسى الصفار، وأبا عمرو أحمد بن محمَّد بن حكيم المديني الأصبهاني (١).
وذكر الخليلي في تلاميذه أيضًا محمَّد بن علي بن خشرماه القزويني (٢). وذكر الرافعيُّ فيهم محمدَ بنَ عبد الله الأصبهاني أبا بكر القزويني (٣).
* مصنفاته:
إن من شأن العلم أنه إذا لم يُقيَّد نُسِيَ وضاع بموت حامله، ومن هنا حَرَصَ أهلُ العلم مِن سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عنهم على تدوين ما اكتسبوه من العلوم، رغبةً منهم في أن ينتشرَ العلمُ، وتستفيدَ منه الأجيال اللاحقة، ولا يبقى حبيسَ صدورهم، فيزولَ بزوالهم.
وكان أهلُ العلم إلى ذلك يعتنون بمصنَّفاتهم تلك، ويضبطونها أيَّما ضَبْطٍ، ويُقْرِؤُونها التلاميذَ ويُجيزونهم بنقلها وإقرائها لمن بعدهم.
_________
(١) "تهذيب التهذيب" ٣/ ٧٣٧.
(٢) "الإرشاد" ٢/ ٧١٩، و"التدوين" ١/ ٤٦١، وسماه: ابن خسروماه.
(٣) "التدوين" ١/ ٤٣٥.
مقدمة / 19
وكان الإمامُ ابن ماجه من أولئك الذين اعتنوا بجمع مروياتهم وتصنيفها، فألَّف:
١ - كتاب "التفسير": قال أبو يعلى الخليلي: له سنن وتفسير وتاريخ، وكان عارفًا بهذا الشأن (١). وقد ذكره الحافظ ابن كثير وقال: هو تفسير حافل (٢). وذكره الحافظ الذهبي في "الميزان" في ترجمة عتبة بن يقظان، وأورد منه حديثًا، وقال الحافظ شمس الدين الداوودي: كان عارفًا بهذا الشأن (٣). وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيميَّة في جملة التفاسير التي يُذكر فيها تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم صِرفًا (٤).
وهذا الكتاب لم يصل إلينا مِنه شيء، وأغلبُ الظن أنه فُقِدَ في جملة ما فُقِدَ مِن الكتب في كائنةِ تيمورلنك سنة (٨٥٣ هـ) في دمشق، فإنه يُفهم من كلام الذهبي المتوفى سنة (٧٤٨ هـ)، وابن كثير المتوفى سنة (٧٧٤ هـ) أنهما رأياه، ثم لم نجد له بعدَ ذلك ذكرًا في "معجم" الحافظ ابن حجر المتوفى سنة (٨٥٢ هـ)، ولا في المعاجم والفهارس المتأخرة.
٢ - "السُّنن": وهو هذا الكتاب، وسيأتي الكلامُ عليه مُفَصَّلًا في مبحث خاص إن شاء الله تعالى.
_________
(١) "التقييد" لابن نقطة (١٣٧)، و"شروط الأئمة الستة" ص ١٧.
(٢) "البداية والنهاية" ١١/ ٥٦.
(٣) "طبقات المفسرين" ٢/ ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٤) "مجموع الفتاوى" ١٣/ ٣٥٥.
مقدمة / 20