وولد أول حزب سياسي على أثر الحركة الرجعية التي تعقبت حركة الإصلاح الدستوري بالإلغاء واضطهاد القائمين بها داخل البلاط ودواوين الحكومة، فأنشأ سن ياتسن جماعة «هسنج شنج هوي»؛ أي جماعة تجديد الصين بمقاطعة بكاو التابعة للبرتغال، وكان ذلك سنة 1892 بعد حركة الإصلاح الأولى بنحو أربع سنوات.
ووسع هذه الجماعة سنة 1905 أيام مقامه في اليابان وبعد طوافه في أوروبة فسماها جماعة «شنج كوتنج منج هوي»؛ أي جماعة الأخوة الصينية، ولم يجعل لها رئيسا، بل جعل لها مكتب إدارة يتولى العمل فيه باسم «تسنجلي»؛ أي المدير العام، وتتشعب فروعه في الصين وبين الجاليات الصينية حيث وجدت في البلاد الأجنبية.
واتبعت هذه الجماعة نظام الجماعات السرية إلى ما بعد إعلان الجمهورية، فحولها إلى حزب علني باسم الكومنتانج؛ أي حزب الوطن، وضم إليها جماعات أخرى كانت تعرف باسم الحزب الديمقراطي المتحد وحزب التقدم الشعبي وحزب التقدم الديمقراطي وحزب الشعب العام، وهي أحزاب كانت تدعو إلى الإصلاح الدستوري ولا تستلزم إسقاط الأسرة المالكة، فاتفقت مقاصدها ومقاصد سن ياتسن بعد إعلان الجمهورية، وانتخبته للرئاسة بإجماع الآراء، فقبل الرئاسة مؤقتا ثم تنحى عنها كعادته لصديقه (سنج شياو جن) وهو من أقطاب الدعوة الجمهورية وحراسها الأمناء.
وبعد نزول سن ياتسن عن رئاسة الجمهورية للقائد يوان شي كاي عمل هذا على مقاومة الكومنتانج؛ بفصل بعض الأحزاب منه وتأليف حزب يسمى «شنبتانج»؛ أي حزب التقدم، فتألف هذا الحزب الجديد ممن يسمون بالحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد، وذهب رئيس الكومنتانج «سنج شياو جن» ضحية لهذه المكيدة، فقتله أعوان يوان في العشرين من شهر مارس سنة 1913، ولم تكد تمضي سنة على قيام الجمهورية.
ورأى سن ياتسن أن الحزب يحتاج إلى تأليف جديد بعد خروج من خرج منه، وتسلل الطابور الخامس إليه من سماسرة يوان وأمثاله، فأعاد تأليفه في طوكيو بعد سنة من مقتل رئيسه، وعاد إلى إدارته باسم «تسنجلي»؛ أي المدير العام، ثم انتقل مركز إدارته من طوكيو إلى شنغهاي بعد وفاة يوان شي كاي، وكان أعضاء هذا الحزب موقدي الثورة في كل مكان يوم نادى يوان بنفسه إمبراطورا على عرش أبناء السماء، فلم تهدأ الثورة في ديرين وشنغهاي وهونان وشكيانج ويونان وكويشو وكوانجزي وكوانجستنج وشنسي إلا بعد نزول يوان عن عرشه، وتلك هي الأقاليم التي عرفت بانتصارها لدعوة سن ياتسن من أوائل أيام الجماعة السرية.
وفي سنة 1921 انتخب سن ياتسن رئيسا لحكومة كانتون المؤقتة، ثم نجمت الفتنة التي دبرها أحد القواد الخونة بدسيسة من حكومة بكين وسماسرة الدول الأجنبية، فعاد سن ياتسن إلى تنظيم حزبه وتأليفه من جديد سنة 1924، وتيسر له هذه المرة أن يوجه الحزب إلى أعمال غير أعمال التنظيم الحزبي، فأنشأ جامعة «كوانج تنج» العلمية وجامعة هوامبو العسكرية ومدارس متفرقة ثانوية وابتدائية، وفتح لجان الحزب للطلبة والصناع على نظام يناسبهم، ويكفل للحزب أن يمثل أبناء الصين كافة من جميع الطبقات والأعمار.
وتحقيقا لوجهته الكبرى التي تتلخص في المحافظة على كيان الصين تقبل اشتراك الشيوعيين في مؤتمرات الكومنتانج بصفتهم الشخصية، مع التفاهم بين الجميع على اختلاف أحوال الصين وحاجتها إلى ضروب من الإصلاح الاجتماعي غير التي يدين بها الشيوعيون في روسيا، وأولها إحلال التعاون القومي محل التنازع بين الطبقات وتغليب إحداها على المجتمع كائنة ما كانت منزلتها فيه.
والظاهر من تاريخ الدعوة الشيوعية في حياة الزعيم أن رؤساء الدعوة كانوا يعتقدون حقا أن الصين لم تستعد في تلك الآونة على الأقل لتطبيق النظام الشيوعي، وعمدتهم في هذا التقدير أن الصناعة لم تتطور وأن عمال الزراعة لا توحدهم جامعة ثورية، وقد روي عن ستالين إلى سنة 1945 أنه كان يقول: إن الحركة الشيوعية عامل غير خطير في سياسة الصين، ووجد زعيم الشيوعية الصينية (ماوتسي تنج) عناء شديدا في إقناع أصحاب النظريات داخلا وخارجا بسوء تقديرهم لعوامل الثورة بين الفلاحين من أهل الصين على الخصوص.
وأيا ما كان الباعث على قرار التفاهم بين الكومنتانج والحزب الشيوعي في حياة سن ياتسن فقد كان الفريقان يرعيان حق الأستاذية لأبي الصين، ويفهم من يسمعهم يذكرون «الأستاذ» ولا يزيدون أنهم يقصدونه دون غيره بهذا اللقب الذي خصوه به كما خصوه بلقب «الأب» الكبير.
وبقيت للرجل مكانته المرعية بعد وفاته بأكثر من ثلاثين سنة، فمن خالفه منهم لا يتهمه ولا يعيبه، وإنما يعالج تفسير كلامه على الوجه الموافق لرأيه، أو يعلل مخالفته إياه بمضي الزمن وتبدل الحال، ويقول: إن «الأستاذ» كان خليقا أن يرى رأيه ويعمل عمله لو كان بقيد الحياة.
Unknown page