64

Sun Yat Sen

سن ياتسن أبو الصين

Genres

إن القوى التي تعتبر مقياسا لعظمة الزعامة نادرة، لندرة العظمة بطبيعتها، وندرة اجتماع قواها في نفس الزعيم الواحد، ومن أندر هذه القوى - إن لم تكن أندرها جميعا - قوة الزعيم على مغالبة اليأس وابتعاث الرجاء من مكامنه حيث يضيع كل رجاء.

ويحار الباحث حين يبحث عن مصادر ذلك الرجاء في حوادث العالم أو علاقات الناس، فيبدو له أنها أحرى أن تكون من مصادر اليأس والتثبيط، ولا يهتدي إلى مصدر لها في غير سليقة الزعيم التي تخلق الرجاء لصاحبها وتخلقه للآخرين.

وقد امتحنت قوى الزعامة في نفس سن ياتسن مرات بعد مرات، من أيام الدعوة إلى أيام الثورة إلى أيام الرئاسة إلى أيام الانقسام في أمته وبين أعوانه وأعدائه، فلا نحسب أنها تعرضت لامتحان قط أعضل من امتحانها أيام الحرب العالمية الأولى.

فلو أنه التفت إلى عوامل اليأس في حوادث العالم أو في حوادث أمته أو في حوادث أصحابه وخاصته؛ لوجد في كل منها ما يملأه يأسا ويحجب عنه كل أمل يراود الحالم الممعن في الخيال.

كانت حكومة الصين قد استجابت دعوة الحكومة الأمريكية فقطعت علاقتها بألمانيا، ثم انتهت الحرب وانعقد مؤتمر الصلح وجلست الصين مع الدول المنتصرة، فإذا هي تعامل معاملة العدو المنهزم، وإذا بالمؤتمر يتبرع بإقليم شانتونج لليابان كأنه من تركة ألمانيا ولا علاقة له بالأرض الصينية!

ولم يجرؤ مندوبو بكين على توقيع معاهدات الصلح مع اشتهارهم بالاستسلام للدول الغربية، وغشيتهم الرهبة من الثورة التي أثارها سن ياتسن في الرأي العام فاكتفوا بالتوقيع على صلح النمسا، وأحجموا عن التوقيع على صلح ألمانيا، وفارقوا باريس وهم على وجل مما ينتظر حكومتهم بين سخط الرأي العام وسخط الدول المسيطرة عليها.

وقبل انعقاد المؤتمر بسنتين كانت حكومة الثورة الروسية تحلف حكومة القياصرة وتعلن لها سياسة خارجية غير سياستهم في الشرق الأقصى على الخصوص، وكان سن ياتسن يقول: إن الثورة الروسية نسخة من الثورة الصينية التي سبقتها بست سنوات، فأبرق إلى لينين يهنئه بزوال عهد القياصرة والاستعمار ويتفاءل بحسن المصير.

ثم تمضي سنوات بعد الحرب العالمية وترسل حكومة الثورة على القيصرية برسلها إلى الأمة الصينية، فإذا هم يقصدون إلى بكين، أو يقصدون إلى حيث تكون المساومة على الأقاليم والامتيازات، ويتجاهلون الثورة الصينية وقادتها ومقاصدها؛ لأنهم قوم لا يسامون ولا يساومون!

ومن أين يأتي الرجاء في السياسة العالمية!

من الغرب أو الشرق؟ من المحافظين أو الثائرين؟ من القارة الأمريكية أو القارة الآسيوية أو القارة الأوروبية؟ أو من الأمة التي لها قدم في أوروبة وقدم في آسيا؟

Unknown page