ولما انقسمت الصين بين حكومة الشمال وحكومة الجنوب رحبت الدول بهذا الانقسام وجعلته ذريعة للمزايدة في المطالب بين الخصمين المتنازعين، ولم تعترف بخير الحكومتين بل أفهمتهما معا أنها تعترف بمن يذعن لأمرها ويتقبل مطالبها ويتابع السير على سياسة العهد القديم بجميع تفصيلاتها.
وفحوى ذلك بعبارة موجزة، أنها لا تعرف حكومة سن ياتسن ولا تعمل على مؤازرته، ولا تزال تنظر إلى الصين كأنها سوق مستباحة، وتحسب أنها خاسرة يوم تصبح الصين حوزة لا تستباح.
والمطلوب أن يكون الرجل «سياسيا عمليا» باللغة التي تعنيها السياسة الاستعمارية.
وكل شيء تقوى عليه الطاقة البشرية إلا أن يصبح «أبو الوطن» سياسيا عمليا بهذا المعنى.
وذلك هو الحرج، أقسى الحرج في زعامة الأمم.
وتلك هي مسكنة العظمة ومظلمة الصدق والشرف.
لقد كان كل نهاز محتال في بكين سياسيا عمليا حكيما عليما بمنطق الواقع، مرجحا على سن ياتسن في هذا المضمار، بميزان الخيانة والاستعمار.
أما سن ياتسن فغاية ما استطاعه من الحكمة العملية أنه صرح بحاجته إلى رءوس الأموال الأجنبية، وأراد أن يكون فتح الباب لتثمير الأموال في مشاريع التعمير عوضا عن الحقوق الأجنبية المدعاة والامتيازات القضائية والاقتصادية المفروضة على الشعب والحكومة، فتلغى المعاهدات الجائرة باتفاق الطرفين، ويتفق الطرفان على تثمير الأموال بما يعمر الصين ولا يحيف على استقلالها وحرية حكومتها.
ولما اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى كانت للصين فيها سياستان متعارضتان: سياسة الشمال وسياسة الجنوب.
فأما سياسة الشمال فكانت تعطي كل شيء ولا تأخذ شيئا: كانت تسلم لليابان بما يشبه حقوق الحماية، وتقطعها الأرض التي جلا عنها الألمان وتخولها الإشراف على الدواوين والمعسكرات، وتشترك في الحرب العالمية.
Unknown page